"التكوين وحكاية الخلق"

كتب: منة الله عامر

فَسرت الحضارات القديمة مثل: الحضارة المصرية القديمة، وحضارات بلاد الرافدين مثل: بابل وآشور وسومر وأكد وكنعان، قصة الخلق حسب ما تخيلت تلك الحضارات، أما العبرانيون ففسروا أيضًا قصة الخلق أو بدايته بشكل يُشابه قصة الخلق الإسلامية، لذلك سنعرض في هذا التقرير، ما ذكره سفر التكوين العبري بالعهد القديم عن بداية الخلق وأحداث أخرى وردت بالسفر. 

"التكوين"
        بدأ سفر التكوين بكلمة "في البدء" بالعربية، والكلمة المرادفة لها بالعبرية "בראשית"، بعد ذلك عرض السفر كيفية خلق العالم، وأن الله موجود قبل ظهور المادة، على عكس ما ورد بتراث الحضارات الأخري، الذين قالوا إن المادة أزلية، والخالق وُجِد بعدها، فنقرأ في سفر التكوين (1:31)، "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ.وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ.وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ الْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلاً بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ»....".
       فلقد خلق الرب السماء والأرض والنور والظلام والحيوانات والنباتات وأخيرًا البشر فنقرأ: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.".

        ولقد قُسمت مراحل الخلق إلى ست مراحل، وكما هو معروف في التراث اليهودي أن في اليوم السابع أو المرحلة السابعة بعد الانتهاء من الخلق استراح الرب بعد عمله، ومن هنا جاءت قُدسية يوم السبت، فنقرأ أيضًا: " وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ.وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا".

         وبعد قصة الخلق يتتبع السفر قصة آدم أبو البشر وخروجه من الجنة ونسله، وعصيانه لكلمات الرب التى أمره بها عندما أكل من الشجرة المُحرمة "شجرة المعرفة" معرفة الخير والشر، فعاقبه الرب بالسقوط على الأرض فنقرأ،" َأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا."، ثم يسرد السفر قصة قتل قايين لأخيه هابيل؛ حيث قدم هابيل قربانًا فتقبله الرب، ولم يتقبل الرب قُربان قايين، فغار قايين من هابيل وقتله فنقرأ: " وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ، وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ، فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟، إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا»، وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ". ثم يسرد قصة الطوفان لغرق العاصين؛ حيث ورد في الإصحاح السادس من سفر التكوين "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، فقال الرب امحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته الإنسان مع بهائم، ودبابات، وطيور السماء؛ لأني حزنت أني عملتهم، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب". 

            وبعد ذلك يعرض جدول أنساب نوح –عليه السلام- وقد وأخرج من الأنساب الساميين مثل الكنعانيين، وقطع سلسة سرد الأنساب هذه في أول الإصحاح  الحادي عشر بتفسير أسطوري لاختلاف ألسنة البشر، وورد ذلك فيما يُسمى حادثة "برج بابل"، فنقرأ في سفر التكوين الإصحاح الحادي عشر، "فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما، وقال الرب هذا شعب واحد ولسان واحد لجمعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه، هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض فكفوا عن بنيان المدينة، لذلك دُعي اسمها بابل، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض".

           وبعد تلك القصة يُكمل سرد الأنساب وصولًا لإبراهيم –عليه السلام- أو "إبرام"، ويقص نبأ نزوحه من "حاران" إلى "كنعان"، ثم إلى مصر هربًا من المجاعة في كنعان، ويُخبرنا الإصحاح الثاني عشر أن إبرام جعل زوجته تخبر المصريين أنها أخته وليست زوجته، خشية أن يقتله المصريون ويستبقونها لما كانت تتمتع به من جمال، ولقد أُكرم إبرام بسببها، ولكن ضرب الرب فرعون وبيته بضربات بسبب سارة امرأة إبرام، وبعد تلك الضربات أمر فرعون أن يأخذ إبراهيم امرأته بعد أن عرف أنها امرأته وليست أخته، وأمر رجاله أن يشيعوه وامرأته ويعطوهم كل ما لهم من غنم، وبقر، وحمير، وعبيد، وإماء، وأُتن، وجِمال، علمًا بأنه لم تكن هناك جمال في مصر في ذلك الوقت. 

          وفي موضع آخر من نفس السفر، قصة مُتشابهة في الإصحاح العشرين، نجد بها اختلاف في اسم المكان الذي ذهب إليه؛ ففي الإصحاح الثاني عشر ذهب إلى مصر، أما في الإصحاح العشرين، فقد ذهب إلى "جِرار".
    ونستنتج من ذلك تعدد المصادر التي نقل عنها كاتب السفر، وأيضًا تعدد كُتاب السفر، مما جعل هناك اختلافات في السفر من حيث الأسلوب والمنهج، أما في الإصحاح السابع عشر، يذكر العهد الذي قطعه الرب مع إبرام؛ حيث تكون أرض كنعان ملكًا له ولنسله من بعده، وأن يكون إلهه وإله نسله، وأن يُختن كل ذكر كعلامة العهد (كما شرحنا بالتفصيل في تقرير سابق عن الختان في اليهودية).

    ونلاحظ أن الاختلافات موجودة من بداية السفر، فهي موجودة في قصة الخلق، والطوفان، وقصة إبراهيم –عليه السلام- وأيضًا ما سنعرضه في التقرير القادم، مما تبقى من سفر التكوين والقصص الآخرى التي ذكرها مع شرح مُختصر ومُبسط.

تعليقات

المشاركات الشائعة