الملائكة في العهد القديم א
كتب: منة الله عامر
تحدثنا من قبل عن الشيطان وصورته في العهد القديم والقرآن الكريم، وسنكمل معًا الحديث ولكن عن الملائكة؛ حيث ذكر في العهد القديم الكثير عن الملائكة، بداية من الكروبيم على تابوت العهد والسرافيم حُراس جنة عدن، وصولًا إلى سفر دانيال وذكره لسيدنا جبريل -عليه السلام-، وتفسيره لأحلام النبي دانيال، سنعرض معًا، صورة ووظيفة الملائكة في العهد القديم وأسفار الأبوكالبيس أو أدب الرؤى.
الملائكة في العهد القديم:
الملائكة في العهد القديم مخلوقات في منزلة وسط بين البشر وبين الرب، وهم يخدمون أمام الرب ويستخدمهم كوسطاء أو رُسل مبشرين ومنذرين. وهم يظهرون في هيئة بشر كما حدث مع الملائكة الذين جاءوا إبراهيم (سفر التكوين 18 – 2)، وأحيانًا يتجلى الملك لمخلوق بعينه ولا يراه الآخرين كما في (سفر العدد 22 – 22 : 35).
وقد يطلق اسم ملك الرب (מלאך יהוה ) على بشر (نبي) كما في حجي (1 : 13)، ملاخي (2 : 7)، وقد يطلق على ملك اسم الرب אלהים، كما في صموئيل الأول (28 – 13)، أو يطلق على الملائكة اسم أبناء الرب בני אלהים، كما في أيوب (1: 6)، أو أخيار (קדושים) كما في المزامير (89 : 5)، أيوب (5 : 1)، وأحيانًا يُطلق على الملك اسم رجل فقط איש كما في التكوين (32 : 25)، وفي بعض الأحيان يحدث خلط ولا يفهم النص أيهما المقصود في النص ملك الرب؟ أم الرب؟ كما في سفر التكوين (16 : 7) فقد تحدث عن ملك الرب ثم نجده يقول عنه في سياق بعد ذلك في (16 : 13) أنه الرب יהוה.
أما عن وظيفتهم فقد جاء في سفر الملوك الأول (22: 19)، هذا الوصف عن لسان ميخا النبي، (الرب جالس على كرسيه وكل جند السماء واقفون عن يمينه وعن يساره)، وهم يقفون أمام الرب بما فيهم الشيطان والأجرام السماوية (أيوب 38: 7)، وجاء في المزامير (89 – 6 : 8)، أنهم يُسبحون الرب، ومن مهامهم التي قاموا بها إنزال غضب الرب، وسخطه كما حدث عندما نزل ملك بالوباء في عهد داود كما ورد في سفر صموئيل الثاني (24 – 16 : 17)، وعندما نزل ملك وضرب معسكر سنحاريب الذي هاجم القدس، كما ورد في سفر الملوك الثاني (19 : 35)، وقد يُرسل أكثر من مَلَك في مهمة واحدة كما حدث مع سيدنا إبراهيم فقد جاءه حسب رواية العهد القديم ثلاثة ملائكة على هيئة رجال بشره أحدهم بميلاد إسحاق واتجه الآخران لتدمير سدوم وتحذير لوط.
الملائكة في الآدب الرؤوي: (آدب الرؤى- أبوكاليبس)
الملائكة في الأدب الرؤوي ممثلًا في سفر دانيال وهو الممثل الوحيد لهذا الأدب ضمن أسفار الكتاب المقدس، وممثلا في سفر حانوخ وهو من الأسفار التي استبعدها اليهود والمسيحيون وهو يعد من أهم أسفار الأدب الرؤوي، وأكثرها شمولًا في الفترة من القرن 2 ق.م : 2 م، ويدور سفر حانوخ حول مجموعة من الرؤى تنسب إلى حانوخ المذكور في سفر التكوين الإصحاح الخامس وأخبار الأيام الأول (1- 1: 4)، وهو ابن يارد بن مهللئيل بن قينان بن إنوش بن شيث بن آدم، وابنه متوشالح هو جد نوح -عليه السلام-،وقد حظى حانوخ بمنزلة رفيعة في (الأجادا) وهى الذاكرة الجمعية الشعبية لليهود، فوصف حانوخ بأن له قدرة كبير على رؤية رؤى الرب اعتمادًا لماجاء في سفر التكوين (5 – 22 – 24) من أنه (سار مع الرب) وأن الرب أخذه، ففسروا السير مع الرب بأنه معرفة الأسرار، وفسروا أخذ الرب له بأنه قد جاب السماوات في رؤاه وعرف ما فيها.
وبعد ظهور المسيحية بدأ آباء الكنيسة
يستمدون من الأدب اليهودي الذي ظهر عن حانوخ رموزًا لشرح المسائل الغامضة في دينهم
مثل مسألة رفع السيد المسيح، مما جعل اليهود ينبذون هذا الآدب ويتخلون عنه بعد أن
كان من أكثر الموضوعات المحببة إليهم، وبعد فترة زمنية وبعد ان تم الفصل التام بين
المسيحية واليهودية، أعادت (الأجادا) الصورة المحببة لحانوخ فورد في الترجوم الأورشليمي
(وعبد حانوخ الرب حقًا ورُفع من الأرض بأمر الرب ميتاثرون الكاتب العظيم)، أى ان
الأجادا العبرية تخلت وتنازلت عن القصص القديمة المتعلقة بحانوخ بعد ان استعان با
المسيحيون وجعلوها جزءً من تراثهم، وأحلت محلها قصصًا جديدة تحمل فكرًا جديدًا هو
القصص الحانوخي – الميتاتروني.
وقد لقى سفر حانوخ إقبالًا كبيرًا من المسيحية في أول الأمر، ولكن نبذته الكنيسة المسيحية فيما بعد كما نبذه اليهود من قبل، وهذا هو السبب في أنه لم يدرج ضمن الأسفار المعتمدة في الكتاب المقدس التي يومن بها البروستانت، وهى النسخة العبرية والعربي التي بين أيدينا الآن، ولم يدرج ضمن الأسفار القانونية الثانية التي يؤمن بها الأرثوذكس والكاثوليك ولا يعترف بها البروتستانت، وهى الأسفار التالية: سفر طوبيا، ومكانه بعد سفر نحميا، وهو تتمة لسفر أستير الذي بين أيدينا الآن، وسفر الحكمة لسليمان ومكانه بعد سفر نشيد الأناشيد، وسفر يشوع بن سيراخ ويقع بعد سفر الحكمة، وسفر نبوءة باروخ ومكانه بعد مراثي أرميا، وتتمة وسفر دانيال، وهو مكمل لسفر دانيال الذي بين أيدينا، وسفر المكابيين الأول، ومكانه بعد سفر ملاخي، سفر المكابيين الثاني، ومكانه بعد سفر المكابيين الأول.
ولم يحتفظ بهذا السفر إلا في كنيستين شرقيتين فرعيتين هما الكنيسة الحبشية والكنيسة الروسية، فقد عُثر على سفر حانوخ باللغة الحبشية في أفريقيا عام 1769م، ويعرف باسم حانوخ الأول، أما الثاني فهو مخطوط باللغة السلافية وعُثر عليه في مكتبة بلجراد وقام بنشره سقولوف الروسي عام 1988م، ويعرف باسم حانوخ الثاني، وكلاهما مترجم عن نص يوناني، ويرجح الباحثون أن يكون النص اليوناني هو الآخر قد تُرجم في وقت سابق عن أصل عبري وآرامي، ومن خلال كتاب הספרים החצונים "الأسفار الخارجة" لأفراهام، وضحتْ دكتور ليلى أبو المجد، تصور الملائكة في سفر دانيال والتي اختلفت عن تصور العهد القديم لهم.
-تصورسفر دانيال بوجود عالم علوي أو سماوات تضم الرب والملائكة، وعالم أرضي يضم البشر والتأكيد على وجود مسافة شاسعة بين العالمين، وعلى تنزيه الرب عن الاتصال المباشر بالبشر، وهو التصور الذي تبلور تمامًا بعد ذلك في سفري حانوخ الحبشي والسلافي، الذي رُفع إلى السماء، وتجول فيها بصحبة ملائكة، وأخذ يصف الموجودات في كل سماء من السماوات السبع.
-بدأت الملائكة تظهر في رؤى دانيال، لأول مرة في أسفار العهد القديم باسمائها فورد اسم جبريل وميكال (ميخائيل)، وهما من الملائكة الأخبار المكلفين بالحراسة كما جاء في سفر حانوخ (20- 1 : 8)، وجبريل رئيس الملائكة كماجاء في حانوخ السلافي (9 : 7)، أما ميخائيل فهو رئيس جُند الرب، كما جاء في حانوخ السُلافي (9: 18).
-أضافت "رؤى دانيال" مهام جديدة للملائكة لم تظهر من قبل في أسفار العهد القديم، عندما جعلت للملائكة رؤساء أو قادة שרים، وأناطت بكلقائد منهم رعاية شعب من الشعوب وحمايته فجعلت للفرس ملكًا يقودهم (رئيس الفرس) وملكًا آخر كرئيس لليونان (دانيال الاصحاح العاشر) وحددت ان الملك المعين لبني إسرائيل هو ميخائيل، (دانيال 12- 1)، وقد نسب حانوخ السلافي إلى الملائكة هذه المهمة فورد في (8 – 1: 3)، أنه رأى في السماء السادسة سبع فرق من الملائكة النورانية.... وهم رؤساء الملائكة القائمون على الملائكة، وعلى جميع الكائنات الموجودة في السماء وعلى الأرض".
-ومن المهام التى قامت بها الملائكة في "رؤى دانيال" مهمة تفسير الرؤى والأحلام، وهى مهمة أو وظيفة ليست جديدة فقد سبق أن قامت الملائكة بتلك المهمة في سفر زكريا وفي سفر حزقيال، والإضافة الجديدة هنا هى تحديد اسم المَلك الذي قام بتفسير "رؤى دانيال"، وهو جبريل -عليه السلام- كماورد في دانيال (8 – 16).
-من الإضافات الجديدة التي أضافتها "رؤى دانيال" ما يتعلق بالطبيعة الخلقية للملائكة فقد نسبت إلى جبريل القدرة على الطيران (دانيال 9- 21).
وفي واقع الأمر لا يمكن فهم كيفية توالد هذه التصورات، أو هذا التطور إلا كنتيجة لتغيرات حادة في الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي لليهود، فقد تعرضوا للنفي البابلي، واحتكوا بالثقافة البابلية، ولكنهم لبثوا أن خضعوا للامبراطورية الفارسية التي ورثت الامبراطورية البابلية، وظلت تحكم الشرق الأدنى حتى جاء الاسكندر وقوض تلك الامبراطورية، بها لذلك فقد ساهم التغير الاجتماعي والاحتكاك بالثقافة البابلية في تطور بعض الأفكار والمفاهيم اليهودية أولها تطور فكرة الكروبيم، والسرافيم عند اليهود والذي بدأ يظهر في الاسفار المتأخرة (إشعيا وحزقيال).
وتناولت بعض الرويات بأن النبي دانيال صديق الملائكة.
ونتوقف هنا، هذه المرة، ونكمل حدثنا في مقال أخر، الذي سنعرض به كيف تحول سيدنا جبريل عليه السلام إلى عدو لليهود.
المصادر:
القرآن الكريم.
صحيح مسلم، البخاري.
العهد القديم.
المشنا.
אנציקלופידיה העברית – "מלאך" – כרך "ה".
المراجع:
بحث "كيف أصبح جبريل عليه السلام عدوًا لليهود؟ "دراسة في توالد التفاسير والمرويات اليهودية. لدكتور ليلى أبو المجد (وهو نواة المقال).
حول تاريخ بني إسرائيل، م.ص.سيجل.
الفكر الديني الإسرائيلي، د. حسن ظاظا.
أبوكاريفا العهد القديم، لابراهيم سالم الطرزي.
הספרים החצונים، אברם.
تعليقات
إرسال تعليق