قصة يوسف -عليه السلام- بين النص القرآني وحكاية التوراة

كتب: منة الله عامر
عند دخول العلم، كما عند دخول الجحيم
يفرض هذا المطلب نفسه:
هنا يجب التخلي عن كل شك
هنا يجب أن يموت كل مُرتاب....  دانتي- الكوميديا الإلهية.

      هكذا كَتَبَ دانتي في رائعته "الكوميديا الإلهية"، وهكذا سنترك كل الشكوك خلفنا، ونكتشف معًا ما سيأتي، ويجب أن أؤكد عليكَ صديقي القارئ أن المقال دسم، وعلمي، يحتاج إلى تركيزكَ وكامل إنتباهكَ، وربما هو أقرب إلى بحث صغير، ولكن سأبذل قصارى جهدي لتبسيط ما يمكن تبسيطه، ليصل إليكَ في أبسط الأشكال.
    سنتعرف على الحكايات التوراتية ومدى التشابة بينها وبين قصص القرآن الكريم، وهل يمكن لنبي الله محمد صل الله عليه وسلم أن يكون اتقبس حكايات القرآن من العهد القديم؟؛حيث تسرد التوراة في تسلسل تاريخي روايات منذ خلق العالم وحتى خروج بني إسرائيل من مصر وتجوالهم في صحراء سيناء، وهذه خاصية تتميز بها حكايات التوراة، وكل حكاية من هذه الحكايات تنتمي لأكثر من مصدر من مصادر التوراة، وتم عرض كثير من حكايات التوراة في قصص القرآن الكريم، -مع الاعتراف بوجود اختلافات- ففي سورة الأعراف تمثل القصص من قصة الخلق وحتى خروج بني إسرائيل من مصر والتيه في الصحراء المحور الرئيس (الآيات 11 – 166) مع وجود استثناءات قرآنية أى خاصية قرآنية غير موجودة في التوراة، مثل أوامر الرب لإبني أدم (الآيات 26 – 28)، وعقاب أهل مدين، ووردت القصص بأسلوب مختلف في سورة الأنبياء ومواضع أخرى في القرآن الكريم.


    من القصص التي وردت مفصلة ومترابطة في القرآن الكريم، قصة يوسف -عليه السلام- وذلك في سورة كاملة تعرف باسم سورة يوسف، ووردت القصة أيضًا متصلة في سفر التكوين (37 – 50)، ونظرًا للحجم الكبير لهذه القصة سواء في القرآن الكريم أو سفر التكوين، وتعدد مصادرها في سفر التكوين؛ فسيتركز حديثنا على الإصحاح 37، ونقارنه بما يقابله في القرآن الكريم في أول سورة يوسف، وقبل عزل الاصحاح 37، من مصادره المتعددة ومقارنة أحد المصادر بالقصة القرآنية يجب الإشارة إلى وجود بعض المشاكل عند الباحثين الذين حاولوا عمل مقارنة بين حكايات الكتاب المقدس وقصص القرآن الكريم، تكمن في افتقادهم للعملية والموضوعية إما عمدًا أو بدون قصد، أدى ذلك إلى الوقوع في العديد من الأخطاء المنهجية، مما أدى إلى أن النتائج التي توصلوا إليها غير علمية وغير موضوعية، ويرجع ذلك إلى الأسباب الأتية:
-تعامل الباحثون مع حكايات الكتاب المقدس (العهد القديم، والعهد الجديد)، باعتبار أن كل حكاية من الحكايات وحدة واحدة، فقد أثبت علماء النقد المصدري تعدد مصادر الحكاية الواحدة إما من مصدرين (كما في قصة الخلق والطوفان)، أو ثلاثة مصادر (كما في حكايات إبراهيم ويعقوب). -بالنسبة لقضية المصادر ربما نخصص لها مقال منفرد نوضح به ما هى بالتفصيل وكيف نشأت-. ولكن لابد أن تعرف أن هناك أربعة مصادر سيتم ذكرهم في المقال، وهم: "اليهوي – الإلوهيمي- الكهنوتي – اليهوي الإلوهيمي".
-النظر إلى حكايات الكتاب المقدس باعتبار أن الحكايات تم تدوينها في فترة تاريخية محددة، وقد أثبتت اتجاهات نقد العهد القديم، بإنه لا يمكن عرض حكايات العهد القديم، في صورتها الحالية بإنها وحدة واحدة، بل عند دراسة أي قضية من قضايا العهد القديم، يجب أولًا عزل مادة كل مصدر من المصادر على حدة، وتحديد مصدر واحد للمقارنة. -هذا ما سنعرضه في المقال اليوم-.
-يظهر عزل مادة كل مصدرمن مصادر التوراة إلى تعدد الرؤى والأفكار، والمفاهيم، التي تعالج موضوعًا واحدًا من موضوعاته، وفيما يتعلق بالإصحاح (37) فيتفق الباحثون بأن الفقرات "وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ غُرْبَةِ أَبِيهِ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، هذِهِ مَوَالِيدُ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ إِذْ كَانَ ابْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَة..." (37 : 1 -2)، تنسب إلى المصدر الكهنوتي، غير إنهم يختلفون في بقية عبارات الإصحاح، فبينما يرى أرفين جراف، ويوليوس أ.بيور، وآخرون، العبارات (11 – 13 أ، 14ب – 21؛ 23 – 27؛ 31 – 35) تنتمي للمصدر اليهوي، والفقرات (2ب – 10؛ 13 ب – 14أ؛ 22؛ 28 – 30؛ 36) تنتمي للمصدر الإلوهيمي، مع ملاحظة وجود اختلاف بين الباحثين في نسب عبارة أو أخرى إلى أحد المصدرين، لذلك سنعرض الفقرات المنتسبة للمصدرين اليهوي والإلوهيمي...


النص القرآني
الإلوهيمي
اليهوي
"اذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ". 8 سورة يوسف

















"إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ". 4
"قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ". 5






























اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)








فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 15








وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)






وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)




وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 21



كَانَ يَرْعَى مَعَ إِخْوَتِهِ الْغَنَمَ وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بِلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ امْرَأَتَيْ أَبِيهِ، وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ.
3 وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ابْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصًا مُلَوَّنًا.
4 فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ.
5 وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْمًا وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ، فَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ.
6 فَقَالَ لَهُمُ: «اسْمَعُوا هذَا الْحُلْمَ الَّذِي حَلُمْتُ:
7 فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَمًا فِي الْحَقْلِ، وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَانْتَصَبَتْ، فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي».
8 فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكًا أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطًا؟» وَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ.
9 ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي».
10 وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟
»




«أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ». فَقَالَ لَهُ: «هأَنَذا... 13».
14 فَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ الْغَنَمِ وَرُدَّ لِي خَبَرًا".





























22
وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ: «لاَ تَسْفِكُوا دَمًا. اِطْرَحُوهُ فِي هذِهِ الْبِئْرِ الَّتِي فِي الْبَرِّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَدًا». لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ"






















28وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ.
29 وَرَجَعَ رَأُوبَيْنُ إِلَى الْبِئْرِ، وَإِذَا يُوسُفُ لَيْسَ فِي الْبِئْرِ، فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ.
30 ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: «الْوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُودًا، وَأَنَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟".




















36 وَأَمَّا الْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الشُّرَطِ.






























فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ.
12 وَمَضَى إِخْوَتُهُ لِيَرْعَوْا غَنَمَ أَبِيهِمْ عِنْدَ شَكِيمَ.
13 فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ:



14أَرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ فَأَتَى إِلَى شَكِيمَ.
15 فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِي الْحَقْلِ. فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ قَائِلًا: «مَاذَا تَطْلُبُ؟»
16 فَقَالَ: «أَنَا طَالِبٌ إِخْوَتِي. أَخْبِرْنِي «أَيْنَ يَرْعَوْنَ؟».
17 فَقَالَ الرَّجُلُ: «قَدِ ارْتَحَلُوا مِنْ هُنَا، لأَنِّي سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ». فَذَهَبَ يُوسُفُ وَرَاءَ إِخْوَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ.
18 فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ، قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ، احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ.
19 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ.
20 فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ».
21 فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: «لاَ نَقْتُلُهُ».




23
فَكَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْ يُوسُفَ قَمِيصَهُ، الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ الَّذِي عَلَيْهِ،
24 وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي الْبِئْرِ. وَأَمَّا الْبِئْرُ فَكَانَتْ فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ.
25 ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَامًا. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَانًا وَلاَذَنًا، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ.
26 فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: «مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟
27 تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا». فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ.









31 فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسُفَ وَذَبَحُوا تَيْسًا مِنَ الْمِعْزَى وَغَمَسُوا الْقَمِيصَ فِي الدَّمِ.
32 وَأَرْسَلُوا الْقَمِيصَ الْمُلَوَّنَ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى أَبِيهِمْ وَقَالُوا: «وَجَدْنَا هذَا. حَقِّقْ أَقَمِيصُ ابْنِكَ هُوَ أَمْ لاَ؟»
33 فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ: «قَمِيصُ ابْنِي! وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ، افْتُرِسَ يُوسُفُ افْتِرَاسًا».
34 فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ مِسْحًا عَلَى حَقَوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ابْنِهِ أَيَّامًا كَثِيرَةً.
35 فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ، فَأَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: «إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحًا إِلَى الْهَاوِيَةِ». وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ.


ويتضح من الجدول السابق بعض الملاحظات الهامة:
-اختفاء المصدر الكهنوتي لعدم وجود تشريعات أو طقوس في الحكاية، بإستثناء الإشارة إلى سكن يعقوب في أرض كنعان، ثم ذكره المواليد.
-وجود تناقض بين الحكاية اليهوية والحكاية الإلوهيمية، مثل: قضية من أنقذ يوسف ففي اليهوية تبرز شخصية رؤابين، ثم شخصية يهوذا.
-أهملت الحكاية الإلوهيمية غدر إخوة يوسف أو موقف يعقوب بعد سماعهم في حين أسهبت الحكاية اليهوية في ذلك.
-تتفق الحكاية الإلوهيمية ونص القرآن الكريم، في حب يعقوب ليوسف مما سبب حقد إخوته، وأضاف النص القرأني حب أخيه وبالقطع يفهم من ذلك الأخ الشقيق.
-تتفق الحكاية الألوهيمية والقصة القرآنية في حلم يوسف الخاص بالكواكب والشمس والقمر، غير أن الحكاية الإلوهيمية تشير إلى أنه قصه على إخوته وأبيه، وأما النص القرآني يشير إلى أنه قصه على أبيه فقط. علاوة على ذلك تشير الحكاية الإلوهيمية إلى حلم أخر، وأنه قصه على إخوته، ولم يرد له إشارة في نص القرآن الكريم، ويعد ذلك من الإضافات المتأخرة التي اقحمت في النص الإلوهيمي.
-تتفق الحكاية اليهوية مع نص القرآن الكريم، على اتفاق إخوة يوسف بوضعه في الجب، غير أن الحكاية اليهوية تصف طبيعة الجب عند وضع يوسف فيه، ويعود ذلك إلى الكتاب المتأخرين. كما أن هذا القسم يُنسب للمصدر اليهوي الإلوهيمي المختلط، في حين لم يذكر النص القرآني تلك التفاصيل وأكد أن يوسف سوف يخبرهم مستقبلًا بما فعلوه.
وإضافة إلى تلك الملاحظات، يوجد سؤال من المهم أن يتم طرحه هنا، هل النبي محمد صل الله عليه وسلم، قد عرف التناقضات بين الحكاية اليهوية والإلوهيمية، أو التناقضات بين الحكاية اليهوية والحكاية الإلوهيمية، أو التناقضات داخل الحكاية الواحدة منهما؟ وهل تعرف على التفاسير اليهودية المتأخرة حول الاصحاح 37، في الأجادا أو المدراشيم؟
واستطاع أن يتخلص من هذه التناقضات وينتج لنا قصة مترابطة ومتماسكة؟ في الواقع لا يمكن قبول ذلك للأسباب الآتية:
-لا يوجد أى دليل حتى الآن على وجود أى ترجمة عربية للكتاب المقدس قبل ظهور الإسلام سواء بين اليهود أو النصارى.
-بفرض وجود ترجمة -حتى وإن كانت شفوية- هل استطاع النبي محمد التعرف عليها وتنقيتها من التناقضات التي أثبت علماء التلمود والعلماء في العصر الحديث وجودها في العهد القديم.
-يمكن الاعتماد على مدرستي النقد المصدري والنقد الأدبي، في تنقية العهد القديم من التناقضات والتفسيرات التي أقحمت مع النص الأصلي والوصول إلى أقرب صورة كان عليها النص زمن النبي موسى. ويمكن الاعتماد بعد ذلك على قصص القرآن الكريم لتحديد المادة الأقرب من النص الوحي.
-من الأخطاء الشائعة بين المهتمين بتاريخ الأديان ومقارنتها التعامل مع نصوص الكتاب المقدس؛ بأنها تمثل وحدة واحدة؛ حيث أثبتت النقد المصدري تعدد مصادر الكتاب المقدس. (والجدير بالذكر أن المصادر تُشبه المادة كتابة الأسفار)، كما أثبتت النقد الأدبي بأن هناك وحدات أدبية أساسية ووحدات إضافية أي يمكن استبعادها دون حدوث أي اضطراب في البنية الأدبية للنصوص، وهذه الوحدات الأدبية الأضافية إذا ما تم استبعادها وكذلك استبعاد النصوص المتناقضة من الكتاب المقدس، فيصبح من السهل عمل مقارنة مع قصص القرآن الكريم والوصول إلى أقرب صورة كان عليها نص الكتاب المقدس الموحي به.
-إن التشابه بين الحكاية الإلوهيمية وبعض أجزاء الحكاية اليهوية، والتي يمكن القول بإنها تنسب إلى المصدر اليهوي الإلوهيمي المختلط، ويعود إلى وحدة المصدر ولا يدل على أن الأحدث جاء ليصحح الأقدم.
-يمكن التأكيد على أن التشابه بين الحكايات الإلوهيمية وبين قصص القرآن الكريم اكبر بكثيرمن التشابه بين الحكايات اليهوية الإلوهيمية المختلطة. ونرجح بأن هذا التشابة غالبًا يكون في المضامين العامة والرؤى الأخلاقية، فكل ما يتوافق من حكايات المصدر الإلوهيمي أو المصدر اليهوي الإلوهيمي المختلط يعد من بقايا الوحي في العهد القديم. 

   وفي الختام أرجو أن تكون المادة المُقدمة هُضمت بشكلٍ جيد، وأعذروني على الإطالة وحاولت بكل قدرتي أن أبسط المادة، فأرجو أن تكون واضحة بالقدر الكافي الذي يجعلها مفهومة، ولكم مني كل الدعوات بالمزيد من العلم والمعرفة. 
  
المصادر:
القرآن الكريم
العهد القديم
المراجع:
التوراة والقرآن في الفكر الاستشراقي، د.أحمد محمود هويدي.
اليهودية في العقيدة والتاريخ، عصام الدين حنفي ناصف.

تعليقات

  1. جميل جدا وكالعاده مقالات حضرتك ديما بتثير التساؤلات

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا جدًا ^_^ يارب دايما عند حُسن ظنك

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة