המנורה" - "المنوراه" الشمعدان

 كتب: منة الله عامر

             عند زيارتك للمعابد اليهودية في مصر، سترى شمعدان له تسعة أذرع وأخر له سبع أذرع ولكل منهم في العقيدة اليهودية، رمز وغرض محدد، هذا ما سنوضحه في هذا المقال المُبسط... هيا بنا نبدأ رحلتنا اليوم..

شمعدان ذو سبع أذرع، في معبد بوابة السماء، في شارع عدلي القاهرة


      "الشمعدان" الرمز اليهودي الشهير الذي اعتدنا على مُشاهدته في الأفلام والمسلسلات، التي تتناول حدث ذات صلة باليهود أو دولة "إسرائيل"، فهل هو سُباعى أم تُساعى أم شجرة الحياة؟!، هل هو رمز خاص باليهود فقط أم لا؟ وما دلالته الدينية؟ وأهميته التي جعلته يحتل مكانة هامة فى حياتهم بهذا الشكل؟

فيُطلق على الشمعدان بالعبرية اسم "המנורה" - "المنوراه"، وله العديد من الدلالات الرمزية؛ حيث يعتقد البعض أنه يشبه شجرة الحياة أو الشجرة المُقدسة، والبعض الأخر يعتقد أنه تُشبه "شجرة الموريا" إذ أن شجرة الموريا تتفرع إلى ستة أفرع متقابلة، ثلاثة أفرع عن اليمين وثلاثة عن اليسار على جانبي الساق المركزي هذا من ناحية الشكل، أما من ناحية المضمون: فإن شجرة الموريا تقطر أغنى عطورها وقت تفتح أزهارها، كما أن الشمعدان يبعث أبهى أنواره وقت إشعال سراجه، ويعكس ذلك ما فى شجرة الموريا  وزهورها الوردية البراقة الساحرة.

      أما الشمعدان "عند اليهود، فيَعتقد اليهود أن ظهور الرب لسيدنا موسى –عليه السلام- كان عند شجرة تشبه كل من "المنوراه" وشجرة الموريا، وأن شجرة الحياة أو شجيرة "المنوراه" ترمز فروعها إلى العالم الكوني، نوره الإلهي وتوراته ووصاياه، ومن خلال "المنوراه" التي تشبه الشجرة ألقيت على موسى مهمة النبوءة أو مهمة الخلاص، كما أنه أمر إلهي من الرب لبني إسرائيل كما ورد في سفر الخروج (37)، 17وَخَرَطَ الْمَنَارَةَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ، فَكَانَتْ قَاعِدَتُهَا وَسَاقُهَا وَكَاسَاتُهَا وَبَرَاعِمُهَا وَأَزْهَارُهَا كُلُّهَا مَخْرُوطَةً مَعاً مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ، 18 وَلَهَا سِتُّ شُعَبٍ. يَتَفَرَّعُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهَا ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ. 19 وَفِي كُلِّ شُعْبَةٍ ثَلاَثُ كَاسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِبُرْعُمٍ وَزَهْرٍ. وَهَكَذَا إِلَى السِّتَّةِ الأَفْرُعِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ. 20 وَعَلَى الْمَنَارَةِ أَرْبَعُ كَاسَاتٍ لَوْزِيَّةٍ بِبَرَاعِمِهَا وَأَزْهَارِهَا. 21 وَجَعَلَ تَحْتَ كُلِّ فَرْعَيْنِ مِنَ الأَفْرُعِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنَ الْمَنَارَةِ بُرْعُماً، وَهَكَذَا فَعَلَ لِلسِّتَّةِ الأَفْرُعِ. 22 فَكَانَتْ بَرَاعِمُهَا وَأَفْرُعُهَا الْمَصْنُوعَةُ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، مَخْرُوطَةً كُلُّهَا مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ. 23 وَصَنَعَ لَهَا سَبْعَةَ سُرُجٍ مَعَ مَلاقِطِهَا وَمَنَافِضِهَا مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ. 24 فَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الْخَالِصِ الْمُصَاغِ فِي صُنْعِهَا وَصُنْعِ أَوَانِيهَا وَزْنَةً (نَحْوَ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ كِيْلُو جِرَاماً).

     ويعتقد اليهود أيضًا أن الشمعة الدائمة المركزية والتي لا تنطفئ ليل نهار ترمز إلى فلسطين، إذ أن الشُعب الستة تتجه بأشعة ضوئها تجاه "المنوراه" أي الساق.

      ومن التفسيرات التي أوضحت وجود فريضة الإنارة في بيت المقدس كان تفسير الحاخام "سلومون ملكاه" في تفسيره للتوراة في كتاب تحت عنوان "المُختار"؛ حيث عرض في البداية سؤال وقال: "إلا أن لنا سؤالًا هو لماذا جاءت فريضة الإنارة في بيت المقدس إذا كان مولى تعالى هو مصدر النور، كما ورد في المزمور (81:28)، "إنك أنت يارب سراجي والرب إلهي نور ظلمتى"، وجاء أيضًا في سفر دانيال (22:2)، "وهو يكشف الأعماق والأسرار يعلم ما في الظلمة وعنده يسكن النور"، إذ لما هذه الإنارة لمن كان هو مصدر النور، فقال: إننا نريد النعمة الإلهية الروحية ومن عقل وشعور شريف وأفكار روحية فأوصانا تعالى أن ننير "المنوراه"، وكما أن السراج لا ينير بدون زيت كذلك روح الإنسان لا تنير بدون عمل وصايا الرب.

       ومن الشائع تاريخيًا أن سُليمان عليه السلام  قد صنع عشر "منورات" وقيل في تفسير هذا الأمر، بأنه في مقابل الوصايا العشر؛حيث أن كل "منوراه" تحتوي على سبع شموع، فإن رقم 70 يرمز إلى أمم العالم السبعين، وأنه طالما أن التوراة التي يرمز لها بالشمعة حيث ورد في الأمثال (6) "لأن الشريعة شمعة والتوراة نور"، وطالما أن التوراة تتغلب فأن شعب إسرائيل يتغلب ويوسع حدوده، وترمز الكئوس السبعة عشر التي في "المنوراه" إلى ملوك يهوذا السبعة عشر بعد أنقسام المملكة.

 

شمعدان ذو سبع أذرع، معروض في محل أنتيك، في حارة اليهود، بالقاهرة

     ورد في المدراشيم أن الكواكب السيارة السبعة، هى شموع قبب السماء، وتعمل من أجل هذا العالم السفلي ليل نهار، وعلى ذلك فإن شموع "المنوراه" تضيء ليل نهار، وتوجه الشمعة المركزية إلى قرص الشمس التي تعتبر هائلة في نورها، "فالمنوراه" المتمثلة في الساق تتفرع إلى ست شُعب كالشمس التي تتوسط الكواكب.

     أما البراعم والكئوس والأزهار فهي ترمز إلى دوران السماء وحركتها، وحتى اليوم يضع اليهود في كل معبد "منوراه" إقتداء "بمنوراه" هيكل سليمان وترمز لديهم إلى أيام الخلق الستة ويوم السبت، وتتخذ "القبالاه" من "المنوراه" رمزًا تنطلق منه إلى بنيان صوفية معقدة، بالرغم من كل التفسيرات حول "المنوراه"، فإن كهنة "القبالاه" يرون أن الرمز الخفي في هذا الشمعدان أعمق من التفسيرات الظاهرية وهكذا لعب الخيال اليهودي دورًا هامًا في تحديد صورة الشمعدان ومواصفاته، وأصبح رمزًا للنور السرمدى، وللضوء الذي لا ينطفئ للعقيدة اليهودية.

شمعدان ذو تسع أذرع في معبد موسى بن ميمون، القاهرة الفاطمية، مصر


         ولا يمكننا أن لا نستبعد الحديث عن "عيد الأنوار– الحنوكاه"، فهناك "منوراه" لها تسع أفرع، تسمى "حنوكياه" نسبة إلى عيد "الحنوكاه"، ففي "عيد الأنوار أو الحنوكاه"، يستخدم اليهود "منوراه" ذات ثمانية أفرع يحملها تاسع يُبرز بعيدًا عن الأفرع الثمانية وترتبط هذه المنوراه وفروعها بالاحتفال بهذا العيد، ففي الخامس والعشرين من شهر "كسلو" الذي يُقابل أخر نوفبر أو بداية ديسمبر، يحتفل اليهود بعيد "الحنوكاه" لإحياء ذكرى انتصار "الحشمونائيم" على اليونانيين سنة 164 ق.م مائة وأربعة وستين ق. م، وطردهم من أورشاليم ومن بيت المقدس وتَحكي الأسطورة أن "الحشمونائيم" قد عثروا في بيت المقدس على قنينة زيت تكفي لإضاءة يوم واحد وحينئذ حدثت معجزة واشتعل الزيت ثمانية أيام، لذلك يشعل اليهود حتى يومنا هذا ثمان شموع في عيد "الحنوكاه" لإحياء ذكرى تلك المعجزة.

          يُعتبر هذا العيد من الأعياد التي ظهرت بعد تدوين العهد القديم، ويحتفل فيه اليهود بإيقاد شمعة في كل ليلةٍ من ليال العيد من شعلة مستمرة في الإضاءة تسمى "شماش" (الخادمة أو المساعدة)، يحملها فرع تاسع وهو "الساق المركزى".

وتُعد "المنوراه" ذات السبعة أفرع، والتي أتخذها اليهود رمزًا لدولة "اسرائيل"، أقدم بأكثر من ثلاثة عشر قرنًا من "منوراه" ذات التسعة أفرع؛ حيث أن "المنوراه" ذات السبعة أفرع صُنعت في خيمة الاجتماع، وقد أقيمت خيمة الاجتماع في السنة الثانية للخروج، أما "المنوراه" ذات تسعة أفرع، صنعها المكابييون للاحتفال ثمان أيام بعيد "الحنوكا" بعد سنتيين من انتصارهم على اليونانيين كما ذكرنا سلفًا، أى إنها ظهرت سنة 162ق.م. مائة وأثنان وستين ق . م.

      ولكن لم تكن المنوراه مقتصرة فقط على الهيود، فتُعتبر "المنوراه" رمزًا عند المسيحيين، فالكتاب المُقدس هو دستور المسيحيين و"المنوراه" تعتبر وصية في العهد القديم، كما وردت كرؤيا في العهد الجديد، وقد تسلمت الكنيسة "العهد الجديد" عن التقليد اليهودي (التوراة والكتابات وطقوس العبادة) مفاهيم روحية للنور، ولم تكن "المنوراه" في العهد الجديد للإنارة فحسب بل كانت جزءًا لا يتجزأ من الطقس التعبدى، فلها مفاهيمها اللاهوتية الروحية؛ حيث ترمز "المنوراه" إلى السبع كنائس القديمة في آسيا كما ورد في رؤيا يوحنا (1)، "يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ"، ويعتقد المسيحيون أيضًا إنه كما كانت "المنوراه" الذهبية الطاهرة ذات السبعة سرج في داخل القدس بالهيكل قديمًا هى التي تنير القدس، فإنها كانت ترمز للمسيح نور العالم.

     وأما فى الفترة المعاصرة، لإأصبحت المنوراة رمزًا لدولة إسرائيل، حيث حرصت أول حكومة إسرائيلية مؤقتة عقب إعلان قيام "دولة اسرائيل" في فلسطين المُحتلة في مايو 1984( ألف تسعمئة ثمان وأربعون)، على اتخاذ شعار يرمز لدولة "اسرائيل"، لذلك شكلت لجنة أُطلق عليها (لجنة العلم والرمز)، أقترحت العديد من الرموز وفي النهاية وافقوا جميعهم على أن "المنوراه" هي الرمز الذي يُتخذ للدولة، فقد رافقت شعب إسرائيل في فترة التيه في سيناء، وكانت رمزًا لرخاء اسرائيل في الهيكلين، وإنه على اليهود أن يربطوا التاريخ القديم بالتاريخ الحديث، فأصبحت "المنوراه" توضع على مبانيهم الحكومية في فلسطين وخارجها، وصنعوا "منوراه" كبيرة بجانب الكنيست الاسرائيلى، صنعت  من البرونز سنة 1957م( ألف تسعمئة وسبعة وخمسون)، وتتخذ الحكومات الإسرائيلية "المنوراه" ذات الأفرع السبعة رمزًا لها، ويطبع اليهود "المنوراه" بصورة بارزة على عملاتهم المالية، واتخذت المؤسسات والشركات الخاصة "المنوراه" رمزًا كتعبير عن يهوديتهم، حيث نجد صورًا كثيرة "للمنوراه" تملأ الكتب والصحف والمجلات وكتب الأطفال، بالإضافة إلى نقشها على واجهات المبانى الحكومية، والمدارس والمعاهد والجامعات ودور الثقافة وغيرها، وهناك من اليهود من يُعلقها في حجرات منزله، علاوة على ظهورها في المكاتب الحكومية والحزبية بإعتبارها رمزًا لدولة "اسرائيل".

 

بمعبد موسى بن ميمون، مصر

       وقد أشار الباحث اليهودي "جاد عمى تسرفتى" إلى هذا المعنى بقوله: "حسن هو ذلك الحدث؛ حيث أنه في اللحظة التي أراد المتحدثون بإسم الشعب أن يحددوا رمز للدولة، اختاروا رمزًا تمتد جذوره في التاريخ بشكل أعمق بكثير من كل ألواح العهد ونجمة داود وهو الشمعدان ذو الأفرع السبعة، وحتى وإن كانوا قد اختاروا صورته الخاطئة التي صنعها الفنان المجهول على بوابة تيتوس، ولم يهتدوا إلى صورته على النحو الذي بلغنا في صور قديمة كثيرة من فلسطين، وعلى أى حال، فإن الشمعدان هو ذلك الشيء ذاته أو صورته الذي رافق شعبنا من جبل سيناء حتى يومنا هذا".

 و فى النهاية يتضح لنا مدى قُدسية "المنوراه" وطهارتها، وما تحتله من مكانة كبرى في حياة اليهود عبر أجيالهم منذ نشأتها الأولى في عهد "موسى" – عليه السلام- ووضعها في خيمة الاجتماع ضمن الأدوات المقدسة، وحتى يومنا هذا، حيث أصبحت رمزًا للدولة لما تحمله من مغزى صهيوني خاصة حول مدلول استعادة الوجود السياسي والديني لليهود من جديد في فلسطين.

وبهذا تكون انتهت رحلتنا التي حاولت بها أن أبسط على قدر استطاعتي ما بها من معلومات، وأرجو من الله أن أكون قد أضفت لكم، معلومة جديدة اليوم، "فمَنْ قَضَى يومه في غير فرض أداه، أو علم اكتسبه، أو مجد حصله، فقد عق يومه وظلم نفسه" -علي بن أبي طالب-، فلكم مني المزيد من الدعوات بالعلم والمعرفة.

تعليقات

المشاركات الشائعة