رحلة الخروج والمعجزات 1

 

 

 كتب: منة الله عامر

            يُعتبر سفر الخروج السفر الثانى من أسفار التوراة الخمس ويليه سفر اللاويين وسفر العدد ثم سفر التثنية، وسنوضح ما يحتويه كل سفر من تلك الأسفار فيما بعد، ولكن سفر الخروج كان بداية لظهور النبى الأعظم فى اليهودية وهو سيدنا موسى –عليه السلام-، وكما أشارنا من قبل فى تقرير سابق أن هُناك فرق بين ديانة موسى –عليه السلام- والديانة اليهودية، للذلك خصصنا هذا التقرير لخوض رحلة مميزة فى هذا السفر.



        بدء السفر بسرد حالة العبرانيين بعد عصر يوسف –عليه السلام- وإضطهاد فرعون مصر القديمة آنذاك لهم وقتليه للمواليد الذكور واستحياء نسائهم، فنقرأ فى سفر الخروج الإصحاح الأول الفقرة الثانية والعشرون: "ثُمَّ أَمَرَ فِرْعَوْنُ جَمِيعَ شَعْبِهِ قَائِلاً: «كُلُّ ابْنٍ يُولَدُ تَطْرَحُونَهُ فِي النَّهْرِ، لكِنَّ كُلَّ بِنْتٍ تَسْتَحْيُونَهَا».

         ثُمَ ينتقل فى الإصحاح الثانى إلى ولادة سيدنا موسي –عليه السلام- فى ظروف مأساوية وكيفية نجاته من المصير المحتوم لكل ذكر، فنقرأ: وَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِ لاَوِي وَأَخَذَ بِنْتَ لاَوِي،فَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا. وَلَمَّا رَأَتْهُ أَنَّهُ حَسَنٌ، خَبَّأَتْهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُخَبِّئَهُ بَعْدُ، أَخَذَتْ لَهُ سَفَطًا مِنَ الْبَرْدِيِّ وَطَلَتْهُ بِالْحُمَرِ وَالزِّفْتِ، وَوَضَعَتِ الْوَلَدَ فِيهِ، وَوَضَعَتْهُ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ.وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ.فَنَزَلَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى النَّهْرِ لِتَغْتَسِلَ، وَكَانَتْ جَوَارِيهَا مَاشِيَاتٍ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ. فَرَأَتِ السَّفَطَ بَيْنَ الْحَلْفَاءِ، فَأَرْسَلَتْ أَمَتَهَا وَأَخَذَتْهُ.وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ الْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِي. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: «هذَا مِنْ أَوْلاَدِ الْعِبْرَانِيِّينَ».فَقَالَتْ أُخْتُهُ لابْنَةِ فِرْعَوْنَ: «هَلْ أَذْهَبُ وَأَدْعُو لَكِ امْرَأَةً مُرْضِعَةً مِنَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لِتُرْضِعَ لَكِ الْوَلَدَ؟»فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي». فَذَهَبَتِ الْفَتَاةُ وَدَعَتْ أُمَّ الْوَلَدِ.فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: «اذْهَبِي بِهذَا الْوَلَدِ وَأَرْضِعِيهِ لِي وَأَنَا أُعْطِي أُجْرَتَكِ». فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ وَأَرْضَعَتْهُ.،وَلَمَّا كَبِرَ الْوَلَدُ جَاءَتْ بِهِ إِلَى ابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَصَارَ لَهَا ابْنًا، وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوسَى» وَقَالَتْ: «إِنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الْمَاءِ». ولكن نُلاحظ أن الفقرة العاشرة من الاصحاح الثانى لم تُوفق فى تفسير تسمية "موسي" بهذا الأسم، فربما كما يقول بعض العلماء أن الإسم ليس عبري ولكنه مصري.

    عَنْ قصة نجاته التى ذُكرت فى السفر فهى تُشبه القصة التى وردت فى القرآن الكريم ، فيقول المولى جل شأنه بسم الله الرحمن الرحيم "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ". سورة القصص الآية السابعة.

        يَذكر سفر الخروج بعد ذلك أن موسى تربى فى قصر فرعون وتثقف الثقافة المصرية وخبر الحكمة كما ورد فى أعمال الرُسل (7-22) فنقرأ: "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ"، وتستكمل القصة فى التوراة أن موسي خرج يومًا فوجد رجلين أحدهما مصرى والآخر من شيعته أى من بنى إسرائيل، فنصر الذى من شيعته وقتل المصرى ودفنه، ثم خرج فى اليوم التالى ووجد رجلين من شيعته يتخاصمان فتدخل لإنهاء الخلاف بينهما، فقال أحدهما اتريد قتلى كما قتلت المصرى فأدرك موسى أن خبر قتل المصرى انتشر فخاف على نفسه وفر إلى أرض مَدين، وتلك القصة أيضًا تتشابه مع ما ورد ذكره فى القرآن الكريم، فيقول المولى سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (16)، سورة القصص.

     وهكذا تبدأ رحلة سيدنا موسى –عليه السلام- فى أرض مَدين، فيسرد السفر القصة، ففى مَدين جلس موسى  بجانب البئر يستقى منها أهل الناحية وجاء إلى البئر كاهن مَدين ليسقين غنمهن وآتى رعاة وطردوهن، فنهض موسى بشهامة وسقى لهن الغنم وذهبن إلى أبيهن وقصص له ما حدث فاستدعاه وزوجه احداهن (إسمها فى التوراة صفورة) واستقر سنين فى بيت يترون حميه (اى اب زروجته) يرعى غنمه، وفى يوم وهو يرعى بجانب جبل حوريب ظهر له ملاك الرب وسيط العليقة تتوسط نارًا وسمع صوت الرب يُناديه ويأمره بخلع نعليه لأن بأرضٍ مُقدسة، فنقرأ:" وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ.وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ.فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟».فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا».فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ." سفر الخروج الإصحاح الثالث، وهكذا كانت بداية الرسالة أو الوحى ونستكمل فى التقرير التالى مسيرة نبى الله موسى كما وردت فى سفر الخروج، سفر المعجزات.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة