رحلة الخروج والمعجزات 2
يُعد سفر الخروج وما يحتويه من مضمون ديني وفكري من أهم الأسفار، فبه ظهرت قدرة
الرب ومُعجزاته، وخروج بني إسرائل من أرض -العبودية- مصر و نبوة موسى -عليه السلام- أعظم أنبيائهم، فكما
ناقشنا في التقرير السابق مُعجزة نجاة النبي موسى –عليه السلام– من الموت وهو طفلًا،
وأيضًا حاولنا أن نعرض التشابه بين القصة التوراتية والقصة القرآنية بشكل بسيط، نكمل
فى هذا التقرير ما حدث بين الرب وموسى -عليه السلام- وقصة الضربات العشر التي نزلت
على فرعون وقومه.
يسرد السفر بعد ذلك الحوار الذي دار بين الرب وموسى -عليه
السلام- فنقرأ: "فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي
فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ،
فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ
الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً،
إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ
وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وبعد ذلك سأل موسي الرب؛ فَقَالَ مُوسَى للهِ:
«هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي
إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» َقَالَ اللهُ
لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ».(أى أكون الذى أكون) وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ».وَقَالَ اللهُ أَيْضًا لِمُوسَى:
«هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَهْوَهْ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ
وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ
وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.اِذْهَبْ وَاجْمَعْ شُيُوخَ إِسْرَائِيلَ وَقُلْ
لَهُمُ: الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ أَرْسَلَنِي
إِلَيْكُمْ. هذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ وَهذَا ذِكْرِي إِلَى دَوْرٍ فَدَوْر"ٍ.
سفر الخروج الإصحاح الثالث.
فخاف موسى ألا
يثق بنو إسرائيل أن الرب ظهر له؛ فقال له الرب اطرح عصاك، فصارت حيه وخاف موسى ولكن
الرب طمأنه وأمره أن يُمسك بذنب الحية فإذا هي تصير عصا، ثُمَ أظهر معجزةً أخرى وهي
أن الرب أمره أن يُدخِل يده في جيبه ثم يخرجها فإذا بها برصاء مثل الثلج، ثم أمره بإعادة
يده إلى جيبه وعندما أخرجها عادت كما كانت، وتلك القصة التوراتية تُشبه أيضًا القصة
التي ذُكرت في القرآن الكريم فنقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم" فَلَمَّا جَاءَهَا
نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ
عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ
ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَن
ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ
يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ(12)" سورة النمل.
وتُكمل القصة
التوراتية أن الرب قال لموسى لك آيتان فإن لم يُصدقوك فخذ ماء النهر وصب الماء في اليابسة
فتصير دمًا فنقرأ: "وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ،
وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى
الْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ الْمَاءُ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ النَّهْرِ دَمًا عَلَى الْيَابِسَةِ"،
الإصحاح الرابع من سفر الخروج.
وطلب موسى من
الرب أن يُرسل معه أخاه هارون اللاوي؛ حيث إنه كان ثقيل الفم واللسان، فنقرأ: فَقَالَ
مُوسَى لِلرَّبِّ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ
أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا
ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ». ونقرأ في موضع آخرمن نفس السفر، أنه كان أغلف الشفتين،
" فَقَالَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ: «هَا أَنَا أَغْلَفُ الشَّفَتَيْنِ. فَكَيْفَ
يَسْمَعُ لِي فِرْعَوْنُ؟» الإصحاح السادس فقرة 30.
ويسرد السفر
بقية القصة؛ حيث ذهب موسى إلى مصر وأخذ معه هارون إلى قصر فرعون، وعندما عَلم فرعون
مبتغاهما أمر بتشديد معاناة بني إسرائيل، وذلك وفقًا لما ورد في الإصحاح الخامس، وعندما
عاودا الذهاب إلى القصر طرح هارون عصاه أمام فرعون وحاشيته فإذا بها حية، فدعا فرعون
سحرته فطرحوا عصيهم فصارت ثعابين تسعى ولكن عصا هارون التهمت كل العِصِي، فنقرأ:
" فَدَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَفَعَلاَ هكَذَا كَمَا أَمَرَ
الرَّبُّ. طَرَحَ هَارُونُ عَصَاهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ وَأَمَامَ عَبِيدِهِ فَصَارَتْ
ثُعْبَانًا.فَدَعَا فِرْعَوْنُ أَيْضًا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ، فَفَعَلَ عَرَّافُو
مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذلِكَ .طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ
ثَعَابِينَ. وَلكِنْ عَصَا هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ." الإصحاح السابع.
وبلا شك تلك القصة تختلف عن القصة المذكورة في القرآن؛ حيث
إن موسى هو من رمى العصى والتهمت عصاه باقي الثعابين، فنقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم
" ۞ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ
مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا
هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)،
سورة الأعراف.
وبعد أن رفض فرعون السماح بخروج بني إسرائيل من
مصر، بدأت الضربات العشر على مصر، ولقد ورد ذكرها بداية من الإصحاح السابع؛ فكانت الضربة
الأولى تحويل مياه النيل ومجاري المياه إلى دماء، وفي الإصحاح الثامن الضربة الثانية
وهي ضفادع تملأ كل مكان على أرض مصر، ولقد استنجد فرعون بموسى وهارون ليتضرعا إلى الرب
ليزيل هذه الكارثة، واستجاب الرب لدعاء موسى وماتت الضفادع في المنازل وجمع المصريون
الضفادع الميتة إلى أكوام حتى تعفنت، وبعد أن اطمأن فرعون أن الكارثة أُزيلت رفض السماح
لبني إسرائيل بالخروج من مصر.
وكانت الضربة
الثالثة لازمة لإجبار فرعون للخضوع لأمر الرب، فضرب موسى وهارون تُراب الأرض فتحول
التراب إلى بعوض (أو قُمل)، وتحولت حياة الإنسان والبهائم إلى جحيم من جراء حضرة الضربة
الثالثة، ولقد حاول سحرة مصر تقليد المعجزة ولكنهم فشلوا فشهدوا بالمعجزة الإلهية؛
ولكن فرعون لَمْ يتراجع ويسمح بخروج بني إسرائيل، فأرسل الرب الضربة الرابعة وكانت
ذُبابًا ملأ البيوت واستنجد فرعون بموسى وهارون ليصليا لرفع الكارثة، ولكن فرعون أبى
وتكبر فأنزل الرب الضربة الخامسة وكانت موت كل مواشي المصريين نتيجة وباء تفشى في مصر،
ومع كل هذه الضربات أصر فرعون ألا يُخرِج بني إسرائيل، فجاءت الضربة السادسة بأمر الرب
لموسى بأن يملأ راحتيه من الرماد ويذره فيصير غبارًا، وملأ الغُبار أنحاء مصر وأصيب
الناس والبهائم ببثور (ولا ندري من أين جاءت البهائم بعد أن ماتت كلها في الضربة الخامسة)،
ومع عصيان فرعون لطلب الرب على لسان موسى أنزل الرب الضربة السابعة، وكانت عبارة عن
برد ومع البرد نار وأصوات رعود رهيبة، وكان البرد يقضي على كل من ينزل عليه من إنسان
وحيوان وأصاب الحرث والزرع ولم يبق شيئًا من العشب أو الشجر، فتكرر العصيان فأنزل الرب
الضربة الثامنة، وهي أن ساق الرب ريحًا شرقية عاتية حملت الجراد الذي حجب نور الشمس
وانقض على ما بقي من عشب وشجر أخضر؛ ثم جاءت الضربة التاسعة وهي عبارة عن ظلام غطى
مصر مدة ثلاثة أيام، ظلام حال دون رؤية الإنسان لأخيه ولكن فرعون لم يتعظ، فجاءت آخر
الضربات وفي نصف الليل ضرب الرب كل بكر في أرض مصر من إنسان وحيوان، فنهض فرعون وعبيده
يصرخون وامتلأت أجواء مصر عويلًا وصراخًا؛ حيث لم يكن بيت فيه بكر إلا وقد مات.
وبلا أدنى
شك أن كل تلك الضربات لم تصب بني إسرائيل فكانوا في مأمن من هذه الكوارث.
ومعظم تلك
الضربات تتفق مع الظواهر الطبيعية التي تحدث في مصر، فالضربة الأولى وهي تحويل الماء
إلى دماء ربما إشارة إلى وقت الفيضان؛ حيث يكتسب ماء النيل لونًا بنيًّا نتيجة الطمي،
وكثرة الضفادع والبعوض والقمل والذباب والجراد في مصر أحيانًا ليس بأمر غريب عليها،
والذي يمكن أن يُصنف غريبًا هي الضربة العاشرة، فهناك تناقض في النصوص فبعد أن يموت
كل البهائم في ضربة من الضربات يموتون في الضربة التي تليها!!
والغريب أن
تلك الضربات لم تضرب بني إسرائيل وكأن هناك مظلة عليهم، رغم أنهم كانوا يعيشون مع المصريين،
وربما هذا التناقض نتيجة لتعدد المصادر وعدم التنسيق بينها، وفي الضربة الأخيرة يقول
النص: "ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ.وَيَأْخُذُونَ
مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي
الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا"، الإصحاح الثاني عشر.
وذلك لكي يرى
الرب هذه العلامة ويعلم أن البيت لأحد من بني إسرائيل، ولكن هناك تناقض تراه كل الأعين؛
فإن تلك الضربات التي ضربت مصر إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الرب قادر وأن يده
هي العُليا، فكيف يطلب من بني إسرائيل أن يميزوا بيوتهم بهذا الشكل كي لا يختلط عليه
منازلهم بمنازل المصريين!!
تنتهي الضربات
بخضوع فرعون والسماح بخروج بني إسرائيل مع موسى، وطلب من موسى أن يصلي من أجله لكي
لا يصيبه مكروه.
وتبدأ رحلة الخروج
من مصر إلى الأرض -الموعودة- وهذا ما سنتناوله في التقرير التالي.
تعليقات
إرسال تعليق