التكوين وتاريخ الآباء
يعد العهد القديم كتابًا تاريخيًا بجانب كونه كتابًا دينيًا، ويَحتوي على العديد من القصص الأسطورية، وينظر لسفر التكوين على إنه أساس تاريخ اليهود؛ فهو يؤكد وحدة الخالق لهذا الإنسان، ويكرم الإنسان باعتباره صورة من صور الرب على الأرض
وفي ذلك تأثر كبير بالأساطير البابلية.
ولقد قال من ساهموا
في تنقية الفكر اليهودي إن هذا التشبيه وتصوير الرب في صورة الإنسان المقصود به هو
أن الإنسان سيد الأرض وخليفة الرب على الأرض، وليس المقصود الشبه في الشكل، بل في سيطرته
على المخلوقات على الأرض.
عهد الرب مع إبراهيم –عليه السلام-
بعد أن
أبرم الرب مع سيدنا إبراهيم –عليه السلام-
العهد الأبدي بِلا شروط، فنقرأ في سفر التكوين الإصحاح 15: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ
قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ،
مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ، الْقِينِيِّينَ
وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ، وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ،
وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
(15-18:21).
ونلاحظ اختلافات
في المساحة الموعودة في الإصحاح 17؛ حيث ذُكر أن المساحة من نهر مصر إلى الفرات وكل
أرض كنعان، ويرجع ذلك إلى اختلاف المصدرين اللذين أقتبس منهما المحرر كلماته.
ولادة إسحاق –عليه
السلام-
يُكمل
السفر سرد قصة ولادة إسحاق، فقد وُلد إسحاق بعد أن شاخ والده، فنقرأ في السفر،
"فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لإِبْرَاهِيمَ ابْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ، فِي
الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللهُ عَنْهُ. وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ابْنِهِ الْمَوْلُودِ
لَهُ، الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحَاقَ».وَخَتَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ
ابْنَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ.وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ
ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ." سفر التكوين
(21-2:5).
وتطلب سارة من
إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها بحجة أن ابنها يَمزحُ، فنقرأ في السفر: "وَرَأَتْ
سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ،
فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ
الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ».
ثم يُكمل
السفر سرد قصة إسماعيل وهاجر -عليها السلام-، فبكر سيدنا إبراهيم –عليه السلام- وجهز
العُدة لترحل هاجر وطرحها في الصحراء؛ حيث تاهت في صحراء "بئر سبع"، وفرغت
قربة الماء، وبدأ الطفل الصغير في البكاء، فسمع الرب صوت الغُلام، فنقرأ في السفر:
" وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا
قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا
وَبَكَتْ.فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ
وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ
الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي
سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ
مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. وَكَانَ اللهُ
مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ."
سفر التكوين (21- 16:20).
ولكنا
نُلاحظ شيء تحوم حوله الكثير من التساؤلات التي لم يحلها أحد حتى الآن، ففي قصة رحيل
هاجر كان إسماعيل -عليه السلام- يَبلغ من العُمر أربعة عشر عامًا؛ حيث إن إبراهيم
–عليه السلام- كان يبلغ من العمر 86 عامًا عند ولادة إسماعيل –عليه السلام- والفقرة
14 من الإصحاح 21 في سفر التكوين، توحي بأن هاجر حملت إسماعيل على كتفها، فكيف يُحمل
من كان في الرابعة عشر من عمره؟! والفقرة 15 من نفس الإصحاح، تقول إنها تطرحت الولد
تحت إحدى الشجيرات فكيف يطرح من كان في الرابعة عشر من عمره؟؟ وربما عدم التناسق ناتج
عن ضياع النص الأصلى للتوراة، وتنوع المصادر التي يتناولها المحررون، وربما أخذوا الروايات
الشفوية التي كانت تُتداول آنذاك.
قصة لوط –عليه السلام-
ويقطع السرد
في الإصحاح التاسع عشر تسلسل قصة إبراهيم ويقص قصة لوط –عليه السلام- أخو إبراهيم عليه
السلام- والملكين؛ حيث إن الملكين نصحوا إبراهيم
ولوط بالخروج هما وأهلها من "سدوم"، ثم إمطر الرب على "سدوم وعمورة"
كبريتًا، وهذا يتشابه كثيرًا مع قصة لوط في الإسلام، فيقول المولى سبحانه وتعالى في
كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم "فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ" سورة النمل 57.
ولكن يسرد
سفر التكوين في نهاية الإصحاح التاسع عشر قصة أسطورية تهدف إلى الإساءة إلى المؤآبيين
وبني عمون، فنقرأ: "وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ،
وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ.َلُمَّ
نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً».فَسَقَتَا
أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ
أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ
أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ
أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ
مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا،
وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ
بِقِيَامِهَا، فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا
وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ وَالصَّغِيرَةُ
أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ
إِلَى الْيَوْمِ." سفر التكوين (19- 31:38).
قصة الذبيح
ويسرد السفر
قصة ذبح الابن البكر، ولكن ذكرت التوراة أن الذبيح كان إسحاق –عليه السلام- وليس إسماعيل –عليه السلام- كما في الإسلام، فأمر
الرب سيدنا إبراهيم – عليه السلام- بأن يذبح
ابنه وحيده فنقرأ: "فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ،
وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ
الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». (22- 2).
ونفهم من
"ابنك وحيدك" أنه إسماعيل لأنه الأكبر، و"وحيدك" كلمة تدل على
أن إسحاق لم يولد بعد، أما كلمة "الذي تحبه إسحاق" فهى إضافة متأخرة متعمدة
على النص للإيهام بإن الذبيح هو إسحاق وليس
إسماعيل.
ويتتبع السفر أخبار
إسحاق ويعقوب مهملًا تمامًا أي ذكر عن إسماعيل –عليه السلام- وإعطاء عيسو تؤام يعقوب
مساحة ضيقة، ويركز على أخبار يعقوب، ويحاول أن يُعلي شأنه ويُصبغ عليه قوة تقترب من
قوة الإله فيصارع "إلوهيم" أي (الرب)، في الإصحاح الثاني والثلاثين فنقرأ:
"فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ،
وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ
حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ.وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ
قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».فَقَالَ
لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ».فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا
بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ».وَسَأَلَ
يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟»
وَبَارَكَهُ هُنَاكَ." التكوين (32- 24:29).
وهنا تغير اسم
يعقوب إلى "إسرائيل" وكل مَنْ كان مِنْ نسله دُعِي "بني إسرائيل"،
وهم الأسباط الاثنى عشر، ومعنى اسم "إسرائيل" أي "مُصارع الرب"
أو "مُجاهد الرب" أو "جُندي الرب"؛ حيث إن "ئيل" بمعنى
إله أو رب، و"يسر" بمعنى مُقاتل أو مُصارع.
مباركة إسحاق ليعقوب
يسرد السفر في الإصحاح السابع والعشروين أن إسحاق
عندما شاخ أمر عيسو بالقدوم إليه لكي يُباركه؛ حيث إنه استشعر قُرب وفاته وهو لا يعلم
متى يتوفى، فطلب منه أن يصطاد صيدًا له وبعد ذلك يصنع له طعامًا منه ويأكله حتى تشبع
نفسه ويُباركه، ويكمل كاتب السفر حديثه بأن "رفقة" زوجة إسحاق كانت سامعة
لذلك الحديث، وأنها أردات أن يكون ابنها "يعقوب" هو من يتم مُباركته، فأسرعت
وكلمت يعقوب وأمرته بعد ذلك أن يذهب إلى الغنم ويأتى بجديين جيدين؛ لتصنع منهما طعام
لأبيه كما يحب ويأكله ويباركه قبل وفاته، وهنا نجد أن يعقوب بادر والدته بالسؤال، فنقرأ:
"فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: «هُوَذَا عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ
وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ.رُبَّمَا يَجُسُّنِي أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ،
وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لاَ بَرَكَةً» التكوين (27-11-13).
خاف يعقوب أن
يكتشف والده الأمر لذلك السبب ولكن بلا شك كانت "رفقة" مستعدة لذلك، فنقرأ:
"وَأَخَذَتْ رِفْقَةُ ثِيَابَ عِيسُو ابْنِهَا الأَكْبَرِ الْفَاخِرَةَ الَّتِي
عِنْدَهَا فِي الْبَيْتِ وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ، وَأَلْبَسَتْ
يَدَيْهِ وَمَلاَسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ جَدْيَيِ الْمِعْزَى. وَأَعْطَتِ الأَطْعِمَةَ
وَالْخُبْزَ الَّتِي صَنَعَتْ فِي يَدِ يَعْقُوبَ ابْنِهَا.فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ
وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هأَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» فَقَالَ يَعْقُوبُ
لأَبِيهِ: «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ
وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي نَفْسُكَ». فَقَالَ إِسْحَاقُ لابْنِهِ:
«مَا هذَا الَّذِي أَسْرَعْتَ لِتَجِدَ يَا ابْنِي؟» فَقَالَ: «إِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ
قَدْ يَسَّرَ لِي».فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ابْنِي.
أَأَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو أَمْ لاَ؟».فَتَقَدَّمَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ،
فَجَسَّهُ وَقَالَ: «الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، وَلكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو».وَلَمْ
يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ عِيسُو أَخِيهِ، فَبَارَكَهُ.وَقَالَ:
«هَلْ أَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو؟» فَقَالَ: «أَنَا هُوَ».فَقَالَ: «قَدِّمْ لِي لآكُلَ
مِنْ صَيْدِ ابْنِي حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي». فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ، وَأَحْضَرَ
لَهُ خَمْرًا فَشَرِبَ.فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: «تَقَدَّمْ وَقَبِّلْنِي يَا
ابْنِي».فَتَقَدَّمَ وَقَبَّلَهُ، فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ، وَقَالَ:
«انْظُرْ! رَائِحَةُ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْل قَدْ بَارَكَهُ الرَّبُّ.فَلْيُعْطِكَ
اللهُ مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ. وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ.
لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ، وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّدًا لإِخْوَتِكَ،
وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ. لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ، وَمُبَارِكُوكَ
مُبَارَكِينَ».
ومن هنا نستنتج
عنصرية السفر ومدى إهمال ما دون ما يريد كاتب السفر إثباته من خصوصية الشعب ومُباركته،
رُغم أن الخديعة والخداع ليست من سمة الأنبياء حاشاه لله، ولكن هذا ما حاوله وسعى إليه
كاتب السفر لكي يجعل من الديانة قومية ويجعلها ديانة خاصة وكتاب لا يحوي سوى تاريخ
بني إسرائيل فقط دون غيرهم.
قصة يوسف –عليه
السلام-
وبعد ذلك تناول السفر قصة يوسف –عليه السلام-
وحب يعقوب له، وأحلامه، وحقد إخوته عليه وكُرههم له، ومحاولة التخلص منه بإلقائه في
البئر، وخداعهم وكذبهم على أبيهم بقولهم إن وحشًا مفترسًا التهمه، وهذا بعد أن تخلوا
عن فكرة قتله؛ فقد اقترح أخوهم الأكبر "روأبين" طرحه في البئر، والادعاء
أنه قد أكله الذئب، وبعد أن طرحوه في البئر رأوا قافلة تجار إسماعيليين بعيدة، فاقترح
"يهودا" أن يخرجوا يوسف ويبيعوه للإسماعيليين، ولم يكمل النص هل تم بيع يوسف
أم لا ؟!
وتظهر القصة
في الحوار الذي دار في الإصحاح السابع والثلاثين؛
ولكن في الفقرة 28 نقرأ أن القافلة اجتازت تجار مديانيين وسحبوا يوسف من البئر وباعوه
للإسماعيليين الذين أتوا به إلى مصر، ويضيف النص في الفقرة 29 أن "روأبين"
رجع إلى البئر ولم يجد يوسف بداخله، فمزق ثيابه دليل على الحزن فرجع إلى إخوته وأخبرهم
بما حدث، ونلاحظ هذا الاضطراب والقطع في النص،
وربما كان هذا نتيجة اختلاف المصادر التي تم النقل منها.
ثم بعد ذلك
يكمل السرد ببيع يوسف إلى رئيس شرطة فرعون، ونلاحظ أيضًا اضطراب آخر، واختلاف في الروايتين،
فنجد في الفقرة الثمانية والعشرين أن "المديانيين" باعوا يوسف للإسماعيليين
بعشرين من الفضة، وأتوا به إلى مصر، وفي الفقرة السادسة والثلاثين، نجد أن "المديانيين"
هم الذين باعوا يوسف في مصر، وهنا نجد ورايتين مختلفتين تمامًا، ويرجع ذلك أيضًا إلى
تعدد المصادر التي دَون منها كاتب التوراة قصتهم، والكثير من الأحداث التي تم ذكرها،
ولكن هنا فقط نذكر الأحداث الأكثر أهمية في هذا السفر، فتنتهي قصة يوسف بدخول العبرانيين
مصر مع أبيهم بسبب المجاعة، بعد أن أصبح يوسف أمين خزائن فرعون، وبعد أن تحقق حُلم
يوسف –عليه السلام- الذي حلم به وهو صغير، أرسل ليأتي بجميع أهله وعشيرته ليعيشوا في
مصر.
ويذكر الإصحاح
الحادي والأربعون أن فرعون غير اسم يوسف إلى "صفنات فنيح"، وأن يوسف تزوج
ابنة كاهن أون، وينتهي السفر بموت يوسف بعد أن بلغ مائة وعشرة سنة.
والقصص الورادة
في هذا السفر متأثرة بالآدب الشعبية والدينية للشعوب التي عاصرها اليهود في ذلك الوقت،
وهذا يدل على أن كاتبي تلك القصص كانوا على علم بآداب وعادات الشعوب في المنطقة، فالأثر
البابلي واضح في قصة الخلق والطوفان كما ذكرنا في التقرير السابق، ونلاحظ في قصة يوسف
التأثر بالعادات المصرية، ففي الإصحاح الحادي والأربعين الفقرة 14 نقرأ: "فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ وَدَعَا يُوسُفَ، فَأَسْرَعُوا بِهِ مِنَ السِّجْنِ. فَحَلَقَ وَأَبْدَلَ
ثِيَابَهُ وَدَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ."،
فعادة حلق الشعر هى عادة مصرية على عكس باقي شعوب الشرق الأدنى القديم الذين كانوا يرسلون شعورهم كما يتضح في التماثيل
والنقوش، وبموت يوسف –عليه السلام- ينتهي سفر التكوين ليبدأ حدث أكثر جللًا وأهمية
وهو النبي الأعظم عند اليهود، سيدنا موسى –عليه السلام-.
والجدير
بالذكر أن هذا السفر والكثير من أسفار العهد القديم يهدف إلى تركيز الضوء على تاريخ
بني إسرائيل دون غيرهم، وأن كُتَّاب السفر كانوا يحذفون كل ما لا يخدم هذا التاريخ،
مما يُشعر القارئ بأن السفر خاص فقط بتاريخ بني إسرائيل دون سائر البشر، وكأن السفر
يقول أن بني إسرائيل صفوة البشر وهم الذين يستحقون أن يُسجل تاريخهم، أما ما تبقى من
الشعوب فلا جدوى من تدوين تاريخهم.
تعليقات
إرسال تعليق