تطرف العقيدة وعنصرية الدين

كتب: منة الله عامر.
              تتميز الديانة اليهودية بالعديد من الصفات وأهمها خصوصية الديانة على المستوى العقائدى والتشريعى، وذكرنا سلفًا أن الديانة اليهودية ليس الديانة الذى جاء بها "موسى" –عليه السلام- إنما هى ناتجة عن تغيُرات عديدة حدثت لها على مر العصور حتى أصبحت بتلك الصورة من الخصوصية والعنصرية والتطرف. 

الخصوصية على مستوى العقائد
    لعل أهم مظاهر خصوصية الديانة هو الإعتقاد فى خصوصية الإله، آى أن اله خاص ببنى إسرائيل فقط دون البشرية عامة، وقد حُرمت عبادته على غير الإسرائيلين، كما حُرم على الإسرائيلين عبادة غيره من الآلهة، فهو إله قومى، وتفسير تلك الخصوصية بين الإله وجماعته أنه أختارها دون غيرها لتصبح جماعته المُختارة أو جماعة الرب "جماعة يهوه"، فبذلك أصبح أله خاص لجماعة خاصة.
    وأتخذت العلاقة بعد ذلك شكل العهد المقطوع بين الطرفين، وتظهر الخصوصية بشكل واضح وجَلى، فى عقيدة "العهد"، فالعهد عهد خاص بين الإله الخاص والشعب الخاص، وبالطبيعة الأمر فلا يدخل غير اليهودى فى ذلك العهد ولا يستفيد غير اليهودى من ثمار هذا العهد، فأصبحت عقيدة العهد هى الآخرى خاصة ببنى إسرائيل لا غير.
بالإضافة إلى خصوصية الإله والعهد، هناك خصوصية النبوة والوحى، فالوحى خاص من الإله لجماعته، والنبوة لا اعتراف بها خارج "جماعة الرب" (بنى إسرائيل)، اى أن أمر الوحى والنبوة مقصورين فقط فى بنى إسرائيل فلا اعتراف بنبوة اى "نبى" أخى غير المنتسبين إلى "بنى إسرائيل"
وهناك أيضًا خصوصية "الدين" بشكل عام فليس مسموحًا لغير اليهودى بالدخول فى اليهودية، كما أنه ليس مسموحًا لليهودى بترك اليهودية والتحول إلى غيرها، لذلك تصف اليهودية بإنها ديانة غير تبشيرية اى إنها ديانة لا تسعى لضم غير اليهودى إليها، ولا تعترف بديانات آخرى فى نفس الوقت.

    لابد أن نشير أيضًا إلى أن عقيدة "الخلاص الإلهى"، خاصة ببنى إسرائيل فقط، وليس خلاصًا للبشرية كلها كما هو الحال فى المسيحية والإسلام المُهتمين بتحقيق الفلاح للإنسان عامة أو للبشرية ككل على الرغم من اختلافهما فى كيفية تحقيق هذا "الخلاص" أو "الفلاح" على حسب التعبير الإسلامى.

الخصوصية على مستوى التشريع
    التشريعات اليهودية بشكل عام تشريعات خاصة باليهود دون غيرهم، ولا تهتم بغير اليهود إلا فيما يتعلق بعلاقاتهم بغير اليهود، وقد أدت الخصوصية على مستوى العقيدة بخصوصية فى التعامل مع الأغيار أو الجانب أو الغير يهودى – على حسب التعبير فى التشريعات اليهودية- ويتضح ذلك جليًا فى التشريعات الخاصة بالزواج عامة وزواج "اليوبيم" خاصة وقوانين الخاصة بالطهارة، والأحكام المُتصلة بالمعاملات الإقتصادية مع غير اليهود خاصة فيما يتعلق بأحكام الربا.
وهناك أيضًا الأحكام الأخلاقية والتى تدل على وجود إزدواجية فى التعامل مع البشر حيث يُقسم البشر إلى يهود وغير يهود، فكل الأوامر الأخلاقية تجوز لليهود فيما بينهم ما عدا ذلك فلا يجوز لهم أن يتعاملوا بنفس الطريقة، فهم أغيار أو غير مُنتسبين لجماعة الرب.
وهذه التشريعات الخاصة مبنية على أساس فكرتى "العهد" و "الأختيار الإلهى" لبنى إسرائيل، وما يتبعه من الإعتقاد فى التميز والأفضلية على بقية البشر.
لذلك إذا نظرنا إلى ما يفعله اليهود المُتشددين اليوم فى "إسرائيل" من أفعال مُتطرفة وعنصرية وإجرامية فى حق الفلسطيين من قتل وسرق ونهب وإستيلاء على أراضى ليست من حقهم، سنُدرك إنه ليس وليد اللحظة بل هو متأصل فى عقلية الشخص اليهودى مُنذ الصغر، ويحاول من خلال عقائده الخاصة تحقيق الوعد الخاص بهم بإمتلاك الأرض –على حد قولهم- بشتى الطُرق.
 والجدير بالذكر أن من أبرز الطوائف المُتشددة إلى حد التطرف "الحريديم"، التى دعمت وساندت الصهوينية لتحقيق أهدافها وتوافقت مع أفكارهم الدينية المُتشددة ومع ما نادت به الصهيونية حيث العودة إلى أرض الآباء وتحقيق الوعد الإلهى"الخلاص"، وأسست حزب تحت اسم "أجودات إسرائيل".
سنلاحظ أن للحريديم هيئة خاصة بهم فكلمة "حريدى" تُطلق على اليهودى ذو المعطف الأسود والقبعة الطويلة والطاليت والذي يَطلق لحيته إلى صدره وتَتدلى من آذنه خصلات من الشعر المعقوص.

والجدير بالذكر أنه أنبثق من تلك الطائفة (الحريديم) حركة رفضت الصهيونية ورفضت التعامل مع مؤسسين الدولة حيث أعتبرت فكرة "الدولة" هى ثورة ضد مملكة الرب، لذلك أسست أحزاب مثل حزب "ناطورى كارتا" وغيره. 


تعليقات

المشاركات الشائعة