تيه بني اسرائيل 1
على مَرّ
العصور تكرر عصيان بني إسرائيل؛ فكان التيه عقابهم، ورغم ذلك حاولَ العبرانيون (واليهود
فيما بعد) الحفاظ على نسلهم نقي دون الاختلاط بغيرهم من الشعوب؛ فسنوا القوانين ونظموا
الشعائر ليحافظوا على هذا الأمر، ونحن الآن بصدد الإصحاح الرابع من أسفار التوراة الخمسة
لنكتشف ما كُتبَ به ونتتبع عصيان بني إسرائيل وتمردهم الدائم.
"سفر العدد"
سُمي هذا السفر بالعدد في الترجمة السبعينية؛
لأنه يتضمن إحصائيات عن بني إسرائيل المُتمثلة في أسماء عشائرهم وأعدادهم؛ فيسرد ذلك
في الإصحاح الأول حتى الإصحاح الرابع، عند بداية تجوالهم في البرية، وفي الإصحاح السادس
والعشرين في نهاية فترة التيه، ويُسمى في العبرية "במדמר"، بالبرية نسبة إلى افتتاحية السفر، وعدد
إصحاحات هذا السفر ستة وثلاثون إصحاحًا.
يَستأنف الكاتب سرد قصة مسيرة بني إسرائيل تحت
قيادة موسى في سفر اللاويين، ويبدأ السفر بإحصاء العشائر الذين رحلوا مع موسى من مصر
وأسماء رؤساء العشائر ومحال الأسباط وشرائع كهنوتية ووظائف اللاويين، وينتقل كاتب السفر
في الإصحاح الخامس إلى الأحكام التي أمر بها الرب نبيه موسى فنقرأ: "وَكَلَّمَ
الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِذَا عَمِلَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ
شَيْئًا مِنْ جَمِيعِ خَطَايَا الإِنْسَانِ، وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ، فَقَدْ
أَذْنَبَتْ تِلْكَ النَّفْسُ.فَلْتُقِرَّ بِخَطِيَّتِهَا الَّتِي عَمِلَتْ، وَتَرُدَّ
مَا أَذْنَبَتْ بِهِ بِعَيْنِهِ، وَتَزِدْ عَلَيْهِ خُمْسَهُ، وَتَدْفَعْهُ لِلَّذِي
أَذْنَبَتْ إِلَيْهِ". إلى آخر الإصحاح.
ويُكمل السفر أنواع القرابين والذبائح حتى الإصحاح
التاسع، وفي الإصحاح العاشر يبدأ الارتحال، يبدأ هذا السفر بأمر الرب لموسى بأن يصنع
البوق فنقرأ: "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«اصْنَعْ لَكَ بُوقَيْنِ مِنْ
فِضَّةٍ. مَسْحُولَيْنِ تَعْمَلُهُمَا، فَيَكُونَانِ لَكَ لِمُنَادَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَلارْتِحَالِ الْمَحَلاَّتِ"، وقد تم مُناقشة البوق أو الشوفار وأهميته كرمز
ديني يهودي في تقرير سابق، وفي الإصحاح
الحادي عشر يتذكر بنو إسرائيل، ثم يُنظم عمود السحاب وذكر أن تابوت العهد ارتحل معهم
لمدة ثلاثة أيام فنقرأ: "فَارْتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ الرَّبِّ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ
أَيَّامٍ، وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ رَاحِلٌ أَمَامَهُمْ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ
لِيَلْتَمِسَ لَهُمْ مَنْزِلاً".
ونقرأ
عن عمود السحاب في الإصحاح العاشر: " وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي الشَّهْرِ
الثَّانِي، فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ، ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنْ مَسْكَنِ
الشَّهَادَةِ.فَارْتَحَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي رِحْلاَتِهِمْ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينَاءَ،
فَحَلَّتِ السَّحَابَةُ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ.ارْتَحَلُوا أَوَّلاً حَسَبَ قَوْلِ
الرَّبِّ عَنْ يَدِ مُوسَى." وهكذا انتقلت الراية حتى وصلت إلى "وَعَلَى
جُنْدِ سِبْطِ بَنِي نَفْتَالِي أَخِيرَعُ بْنُ عِينَنَ".
في تجوال بني إسرائيل كان الرب يرشدهم عن طريق
عمود السحاب، وقد ورد ذكره في سفر الخروج فنقرأ: " لَمْ يَبْرَحْ عَمُودُ السَّحَابِ
نَهَارًا وَعَمُودُ النَّارِ لَيْلاً مِنْ أَمَامِ الشَّعْبِ." (22:13).
والجدير بالذكر أن في عام 2012 أطلق الجيش الإسرائيلى
على الحرب على غزة اسم "عمود السحاب"، وتلك التسمية مستمدة من التوراة كما
اتضح مما سبق، وقابلت تلك التسمية من الجانب الفلسطيني اسم "حجارة سجيل"،
وكما يتضح صبغ الدين على العمليات العسكرية وذلك ليس بجديد من الجانب الصهيوني.
ويستكمل كاتب السفر إصحاحاته، فيبدأ الإصحاح
الحادي عشر بتذكر بنو إسرائيل خيرات مصر، ويُقارنون بين حالتهم عندما كانوا مستقرين
في مصر وبين حالتهم في الصحراء، ويبدأ التذمر والشكوى والعصيان من ست مائة ألف شخص
فيُعين موسى بأمر الرب سبعين رجلًا لتهدئة بني إسرائيل، وأرسل الرب ريحًا ساقت السلوى،
فنقرأ في بداية الإصحاح "وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً.
فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْضًا وَبَكَوْا وَقَالُوا: «مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟قَدْ
تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ
وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ.وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا.
لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!».
ثم إرسال الرب ريحًا تسوق لهم السلوى فنقرأ:
"فَخَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ وَسَاقَتْ سَلْوَى مِنَ الْبَحْرِ وَأَلْقَتْهَا
عَلَى الْمَحَلَّةِ، نَحْوَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَا وَمَسِيرَةِ يَوْمٍ مِنْ هُنَاكَ،
حَوَالَيِ الْمَحَلَّةِ، وَنَحْوَ ذِرَاعَيْنِ فَوْقَ وَجْهِ الأَرْضِ.فَقَامَ الشَّعْبُ
كُلَّ ذلِكَ النَّهَارِ، وَكُلَّ اللَّيْلِ وَكُلَّ يَوْمِ الْغَدِ وَجَمَعُوا السَّلْوَى.
ويشير
الإصحاح الثاني عشر أن موسى اتخذ امرأة كوشية، فنقرأ: "وَتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ
وَهَارُونُ عَلَى مُوسَى بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْكُوشِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا،
لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً"، وأن الرب كلم مريم وهارون
وأن موسى كان حليمًا وأمينًا، إلى آخر الإصحاح.
وفي الإصحاح الثالث عشر يذكر السفر أن موسى أرسل
من يستطلع له أرض كنعان، ويذهب الجواسيس ويأتون
له بأخبار أرض كنعان، فنقرأ: "ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«أَرْسِلْ
رِجَالاً لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
رَجُلاً وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ. كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ
فِيهِمْ».فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.
كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ".
قرر البعض أن يزحفوا على هذه الأرض التي تدر
عسلًا ولبنًا (فلسطين حاليًا)، ولكن الخوف استبد بالمعظم وأبوا أن يُقدموا على هذه
الخطوة، وتذمر القوم على موسى وهارون، فنقرأ: "فَرَفَعَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ
صَوْتَهَا وَصَرَخَتْ، وَبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.وَتَذَمَّرَ عَلَى مُوسَى
وَعَلَى هَارُونَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لَهُمَا كُلُّ الْجَمَاعَةِ:
«لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي هذَا الْقَفْرِ!وَلِمَاذَا
أَتَى بِنَا الرَّبُّ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لِنَسْقُطَ بِالسَّيْفِ؟ تَصِيرُ نِسَاؤُنَا
وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً. أَلَيْسَ خَيْرًا لَنَا أَنْ نَرْجعَ إِلَى مِصْرَ؟»فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «نُقِيمُ رَئِيسًا وَنَرْجعُ إِلَى مِصْرَ».فَسَقَطَ مُوسَى وَهَارُونُ
عَلَى وَجْهَيْهِمَا أَمَامَ كُلِّ مَعْشَرِ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.وَيَشُوعُ
بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ، مِنَ الَّذِينَ تَجَسَّسُوا الأَرْضَ، مَزَّقَا
ثِيَابَهُمَا".
وكان عقاب الرب على هذا العصيان هو التيه أربعين
سنة لعدم إيمان بني إسرائيل، وعدم ثقتهم في الرب الذي تجلى لهم بمعجزاته، ثم يتحدث
السفر عن شرائع ووقائع حدثت في فترة تجوالهم، فنقرأ: "كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي
تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ
ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي.أَنَا الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمْتُ.
لأَفْعَلَنَّ هذَا بِكُلِّ هذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ.
فِي هذَا الْقَفْرِ يَفْنَوْنَ، وَفِيهِ يَمُوتُونَ».
ويعرض الإصحاح الخامس عشر طريقة عمل الطاليت
وأهدابه، فنقرأ: "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَقُلْ لَهُمْ: أَنْ يَصْنَعُوا لَهُمْ أَهْدَابًا فِي أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ فِي أَجْيَالِهِمْ،
وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ.فَتَكُونُ لَكُمْ
هُدْبًا، فَتَرَوْنَهَا وَتَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا الرَّبِّ وَتَعْمَلُونَهَا، وَلاَ
تَطُوفُونَ وَرَاءَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْيُنِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فَاسِقُونَ وَرَاءَهَا،لِكَيْ
تَذْكُرُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ وَصَايَايَ، وَتَكُونُوا مُقَدَّسِينَ لإِلهِكُمْ.أَنَا
الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلهًا.
أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ».
والطاليت بشكل مُبسط هو
شال الصلاة الخاص باليهود، وأهدابه تدخل من ضمن وصايا العهد القديم عقب خطايا السهو
والعهد، وتمسيتها بالعبرية "ציצית"، أي "الأهداب"،
وهي خيوط ثمانية ملونة بلونيين الأبيض والأزرق، وهي مهمة للتذكير بوصايا الرب، والعاملين
بها يكونون مقدسين لإلاههم.
ومن الشرائع التي ذكرها السفر أن جثة الإنسان
نجسة، ومن يمسها يظل نجسًا لمدة سبعة أيام، والمنزل الذي يموت فيه إنسان نجس، وكل من
في المنزل الذي مات فيه إنسان يتنجسون ويجب عليهم التطهر، وكل إناء مفتوح ليس عليه
سداد بعصابة في منزل ميت أو قبر يعتبر نجسًا لمدة سبعة أيام، فنقرأ: "«هذِهِ هِيَ
الشَّرِيعَةُ: إِذَا مَاتَ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةٍ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْخَيْمَةَ،
وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَيْمَةِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.وَكُلُّ إِنَاءٍ
مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ.وَكُلُّ مَنْ مَسَّ
عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ قَتِيلاً بِالسَّيْفِ أَوْ مَيْتًا أَوْ عَظْمَ إِنْسَانٍ
أَوْ قَبْرًا، يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.فَيَأْخُذُونَ لِلنَّجِسِ مِنْ غُبَارِ
حَرِيقِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ مَاءً حَيًّا فِي إِنَاءٍ.وَيَأْخُذُ
رَجُلٌ طَاهِرٌ زُوفَا وَيَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ وَيَنْضِحُهُ عَلَى الْخَيْمَةِ،
وَعَلَى جَمِيعِ الأَمْتِعَةِ وَعَلَى الأَنْفُسِ الَّذِينَ كَانُوا هُنَاكَ، وَعَلَى
الَّذِي مَسَّ الْعَظْمَ أَوِ الْقَتِيلَ أَوِ الْمَيْتَ أَوِ الْقَبْرَ.يَنْضِحُ الطَّاهِرُ
عَلَى النَّجِسِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْيَوْمِ السَّابعِ. وَيُطَهِّرُهُ فِي
الْيَوْمِ السَّابعِ، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ بِمَاءٍ، فَيَكُونُ طَاهِرًا
فِي الْمَسَاءِ.وَأَمَّا الإِنْسَانُ الَّذِي يَتَنَجَّسُ وَلاَ يَتَطَهَّرُ، فَتُبَادُ
تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ لأَنَّهُ نَجَّسَ مَقْدِسَ الرَّبِّ. مَاءُ
النَّجَاسَةِ لَمْ يُرَشَّ عَلَيْهِ. إِنَّهُ نَجِسٌ". وكما يتضح من الفقرات السابقة، يأخذ رجل طاهر
زوفًا ويغمسها في الخليط (ماء النجاسة)، ويرش المسكن والأمتعة وتكون عملية الرش هذه
في اليومين الثالث والسابع ويغسل الرجل الذي رش ماء النجاسة ملابسه ويظل نجسًا حتى
المساء، وفي حالة النجاسة يكون كل من مسه الشخص النجس نجسًا ومن يمس النجس يتنجس.
ولكن هل
بعد ذلك توقفت المعجزات، خاصة مع ضعف إيمان جماعة بنى إسرائيل بالرب، وما نهاية
هذا السفر، هذا ما سنكتشفه فى التقرير القادم.
تعليقات
إرسال تعليق