"ما بين أخلاقيات الديانة وتَطرُفهَا"
كتب:
منة الله عامر
نتحدث كثيرًا عن التطرف والعنصرية الموجودة عند اليهود وإنها
نتيجة الفكر الدينى الخاص بهم، ولكن لَمْ نَذكر هل عالجت اليهودية القضايا
الخلاقية؟ هل هُناك ذكر للأخلاقيات ؟ وفى أى جزء؟ سنتعرف على البُعد الأخلاقى
للديانة اليهودية كونها أصل الديانات السماوية، رُغم ما مَرت به من تعديلات
وتَغيُرات على مَر العصور حتى أخذت شكلها النهائى، البعيد عن الوحى الأصلى.
"ما بعد
ديانة موسى"
يُعد الجانب الأخلاقى فى
اليهودية جانب قديم ولكن تَمْ إهماله فى العصور السابقة على عصر الأنبياء الآواخر
منهم "عاموس – هوشع" وغيرهم، وسنلاحظ أن التوراة أشتملت على مواد
أخلاقية كثيرة ونجدها فى "الوصايا العشر" فى سفر الخروج الإصحاح 20،
ومجموعة اللعنات الواردة فى سفر التثنية الإصحاح 28، وقد لعبتْ هذه المواد
الأخلاقية فى جعل اليهودية ديانة ذات بُعد أخلاقى.
ولكن مع تطور الديانة
الإسرائيلية من بعد العصر الموسوى (أى عصر النبى موسى –عليه السلام-)، بدأ تقليص
هذا البُعد الأخلاقى للديانة الموسوية لعدة أسباب
منها: إهتمام الديانة بمسائل الطقوس والشعائر خاصة بعد أن تم تأسيس وتطوير المؤسسة
الكهنوتية التى على يدها أصبحت الديانة "كهنوتية"، مما أدى إلى التركيز
الشديد فى شئون العبادة من طقوس وشعائر وواجبات دينية، وإهمال الجانب الروحى فى
التدين، للذلك تحولت الجماعة إلى جماعة كهنوتية، وأصيبت الشريعة بالجمود ووجِهتْ
القيم الإخلاقية بما يفيد الخصوصية الإسرائيلية، وأصبح
هناك مستويان فى التعامل الأخلاقى، تعامل أخلاقي بين الإسرائيليين فى علاقاتهم
ببعضهم، والمستوى الثانى للتعامل الأخلاقى بين الإسرائيليين وغير الإسرائيلين
(الأغيار)، هكذا خضعت الأخلاق للرؤية عنصرية التى بدأت تستشرى فى الديانة إلى أن
حولتها فى النهاية إلى ديانة العنصرية خالية من الإتجاه العالمي.
"عصر
الأنبياء الآواخر"
ومع بداية عصر الأنبياء
الآواخر، بدأ التغير الجذرى من الناحية الأخلاقية بالتدريج من مضمون أخلاقى خاص
إلى مضمون أخلاقى عام، حيث أشار الأنبياء إلى أن التدهور السياسى والدينى الذى
أصاب بنى إسرائيل نتيجة العامل الأخلاقى، فأتجه الأنبياء إلى التركيز على العلاقة
بين الدين والأخلاق، لهذا فلا يمكن أن تتم العودة الحقيقية إلى ديانة موسى إلا من
خلال بعث الجانب الأخلاقى فى الدين.
حيث ركز الأنبياء على
وصف الإله بتصورات أخلاقية، وأيضًا إنه صاحب مطالب أخلاقية واجبة على مَنْ يعبده،
ويأتى ذلك بعد التأكيد على الوحدانية المُطلقة للإله، يظهر ذلك جليًا فى سفر هوشع:
"إنى أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من المُحرقات.." وفى مَوضع آخر: "أحفظ الرحمة والحق
وأنتظر إلهكَ دائمًا".
ويؤكد النبى
"أشعيا" على هذا ايضًا حيث ورد فيه سفره، "إعزلوا الشر أعمالكم من
أمام عينى، كِفوا عن فعل الشر، تعلموا فعل الخير، وأطلبوا الحق، إنصفوا المظلوم
أقضوا اليتيم حاموا على الأرملة".
ويوضح النبى
"أرميا" أيضًا فكرة الإله الشخصى الأخلاقى فى قوله: "هكذا قال الرب:
لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه (24) بل بهذا ليفتخرن
المفتخر: بأنه يفهم ويعرفني أني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الأرض، لأني بهذه
أسر".
وأضاف الأنبياء أيضًا
بعض الأفكار التى لم تكن موجودة من قبل مثل: عقيدة العبث والثواب والعقاب والخلاص،
ونلاحظ أن كل الأوامر التى يطلبها الأنبياء من بنى إسرائيل أوامر أخلاقية بحتة،
ليس لها علاقة بكهنوت أو دعوات للتطرف والعنف، فقد أعاد الأنبياء الأواخر الجانب الأخلاقى
للديانة، أما التطرف والعُنف الذى نشهده الآن فهو نتاج علماء التلمود فى العصور الوسطى ليخدموا أهدافهم الخاصة فجعلوا
من الديانة، ديانة خاصة (أى لا تبشرية) مليئة بالعنصرية والتطرف والعنف.
تعليقات
إرسال تعليق