"القبالاه والمُتصوفة اليهود"
كتب: منة الله عامر.
جاءت ومَضت قرون واليهود لم يزيدوا على التلمود شيئًا سوى التعليقات العميقة، ومِن
الناحية الدينية ظلوا متمسكين بالقانون، كما تبلور في التلمود، يدرسونه ويقبلون صفحاته،
ويجدون فيه كل شيء، وكثيرًا ما خاطوا حول النصوص الخرافية والخزعبلات وأعمال السحر؛
سعيًا وراء التحرر من نير التاريخ، فكان مِن أهم مظاهر تلك الأفكار هو "القبالاه".
القبالاه (التصوف اليهودى)، بالعبرية: קַבָּלָה، ومعناه بالعربية: التلقي أو الاستقبال، وهو تفسير
التوراة بالمعانى الباطنية للنصوص وليس بظاهرها، وظهرت "القبالاه" في إسبانيا
وجنوب فرنسا بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلادي، وتابعت مسيرتها في مدينة
"صفد" بفلسطين في القرن السادس عشر.
يطلق
على القبالاه "قواعد الغيبيات"؛ لأنها مبنية على التمييز بين الظاهر في العالم
وفي التوراة، وبين الباطن بينهما، فالتوراة لها معانٍ ظاهرة يستطيع كل إسرائيلى أن
يفسرها ويفهمها عن طريق العقل والتراث اليهودى، بينما هناك معاني باطنة، وهي المعاني
السرية أو الغامضة للعالم والتوراة، وهذه هي أسرار التوراة التي لا تتاح إلا لقلة قليلة
من العارفين بالأسرار.
تهتم
"القبالاه" بماهية "الإله"، وخلق العالم والثواب والعقاب والمنفى
والخلاص، ويحظى القسم الأخير "المنفى والخلاص"، بمكانة خاصة في "القبالاه"
التي تطورت مفاهيمها في "صفد" في القرن السادس عشر، ومن أهم الموضوعات التى
تناقشها "القبالاه" العلاقة المُتبادلة بين أعمال الإنسان في الدنيا وبين
العوالم العلوية (الإلهية)، فطبقًا للقبالاه فإن بقاء العالم مرتبط "بالفيض"
الإلهي الصادر من العوالم العلوية إلى عالمنا الأرضي، وهذا الفيض مرتبط بأعمال الإنسان
الخير والشر.
ومِن
الأفكار التى شاعت بين القباليين، أن "الرب" كما كان يشتمل على الذكر والأنثى،
فإنه أيضًا كان يشتمل على الخير والشر وتخلص من الشر بخلق العالم، وأصبح الشر بعد خلق
العالم في العالم السفلى (عالم الشياطين والجن)، ويقابله في الأعلى عالم الخير.
يرى
الربانييون "حاخامات اليهود"، أن للإنسان نزعتين نزعة للخير ونزعة للشر،
فأما نزعة الخير فتحث الإنسان على الإلتزام بمباديء "المتسفاه" (وصايا الرب)،
وعلى أن يحفظ عهده مع الرب، وأما نزعة الشر فتقود الإنسان بعد قلبه وعينيه إلى فعل الخطيئة، بينما يرى القبلاييون أن "المتسفاه"
هي بمثابة التعبير عن الطبيعة الأعمق للروح، فتطبيقها لا يعنى ببساطة الإلتزام الظاهري
بالقاعدة (الأمر) المفروضة، وإنما هو تعبير ذاتى عن عنصر إلهي في باطن الإنسان وعلى
هذا فنزعة الخير هي الأقرب إلى أن تكون دافعًا حقيقًا أو وازعًا حقيقًا للإنسان، الذي
ربما عطلها باستخدامه الخاطئ لوازع الشر لديه.
إذًا كانت "القبالاه" نتيجة أفكار المُعارضين للتفسير التقليدي للتوراة؛
حيث أدخلوا المنهج الفلسفي في الكتابات الدينية اليهودية وطريقة تفسير النصوص، لمعرفة
ماهية الرب والعالم، فبدأ علماء اليهود بتفسير العقائد من الناحية الفلسفية فتعارضت
أفكارهم مع ما ورد في العهد القديم والتلمود، فقامت حملات ضد أفكارهم ووصل الأمر
إلى أن بعض رجال الدين اليهودب حَرموا قراءة تلك الكتابات واعتبروا كل ما جاء فيها
هو نوع من الزندقة والكُفر "بالعهد القديم والتلمود"، وإذ مُكنا أن نقول
أن "القبالاه" من الفلسفات المعُقدة إذا يصعب على أي شخص معرفة المعاني الباطنة
لها، ولا يُمكننا أن نجزم بعلاقتها بالسحر الأسود وما يُشاع عنها ولكن مازال لها أتباع
حتى الآن في أنحاء مُتفرقة حول العالم.
تعليقات
إرسال تعليق