الكهنوت وقداسة بني اسرائيل

     كتب: منة الله عامر
       يُعد سفر اللاويين السفر الثالث من أسفار التوراة الخمسة، وتُشير التسمية العربية للسفر "اللاويين" إلى مضمون السفر الرئيسي؛ ألا وهو رجال الدين والكهنوت وأعمالهم ووظائفهم والطقوس الدينية، وفي هذا التقرير سنعرض بشكل مُبسط ما ورد في هذا السفر وكيف تم تخصيص الديانة لتكون ديانة قومية.
سفر اللاويين
    يضم السفر سبعة وعشرين إصحاحًا، يسرد السفر من الإصحاحات (1-7) كل ما له علاقة بالشرائع والطقوس الدينية والشرائع الخاصة بالذبائح، وأنواعها وكيفية تقديمها ومواصفات الذبائح.
       ثم ينتقل في الإصحاحات (8-10) تنصيب هارون وأبنائه الأربعة، فنقرأ: " وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«خُذْ هَارُونَ وَبَنِيهِ مَعَهُ، وَالثِّيَابَ وَدُهْنَ الْمَسْحَةِ وَثَوْرَ الْخَطِيَّةِ وَالْكَبْشَيْنِ وَسَلَّ الْفَطِيرِ،وَاجْمَعْ كُلَّ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ».فَفَعَلَ مُوسَى كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. فَاجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ." (1:4-8).
       ثم يُكمل السفر سرد الأحداث؛ حيث عقاب اثنين من أبناء هارون -عليه السلام-  لمُخالفة قواعد الكهنوت وتقديمهما بخورًا دون تلقي أمرًا، وتحريم الخمر عند دخول خيمة الاجتماع، فنقرأ: "«خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ".
      وفي الإصحاحات (11-16) يتحدث عن الشرائع التي تتعلق بما يؤكل، أي المُحلل والمُحرم من المأكولات، فكل مشتق ظلفه (الظلف هو الحافر المشقوق الذي يوجد لدى شفعيات الأصابع)  ويجتر من حيوانات الأرض حلال أكله عدا الجمل والأرنب من الحيوانات المجترة (الحيوانات المُجترة هي نوع من الحيوانات التي تأكل طعامها عن طريق عملية الاجترار، المقصود بعملية الاجترار والمقصود بكونها حيوانات مجترة هو أنها لديها قدرة على اختزان الطعام بداخلها لفترات زمنية طويلة نسبيًا، ثم تقوم باسترجاع ذلك الطعام في وقت لاحق من داخل غرف المعدة إلى الفم مرة ثانية، ومن ثم تقوم بإعادة مضغ وطحن هذه المواد مرة أخرى والتغذي عليها)، والخنزير من الحيوانات المشقوقة الظلف، ومما يعيش في المياه كل ما له زعانف وحروف حلال أكله. 
        أما الإصحاح الحادي عشر، فذكر عدد من الطيور المُحرمة، فنقرأ: "وَهذِهِ تَكْرَهُونَهَا مِنَ الطُّيُورِ. لاَ تُؤْكَلْ. إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ: اَلنَّسْرُ وَالأَنُوقُ وَالْعُقَابُ، وَالْحِدَأَةُ وَالْبَاشِقُ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَكُلُّ غُرَابٍ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَالنَّعَامَةُ وَالظَّلِيمُ وَالسَّأَفُ وَالْبَازُ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَالْبُومُ وَالْغَوَّاصُ وَالْكُرْكِيُّ".
      ولكن سمح بأكل الجراد والدبا والحرجوان والجندب، وحرم أكل كُل دبيب يدب على الأرض كالضب والفأر وابن عرس.
     ويحرم على اليهود لمس جثة أي حيوان لا يحل أكله، فإذا كان الحيوان نجس فبالتالي جثته نجسة، ويعتبر كل من مس الجثة نجسًا حتى المساء، ويعتبر أي متاع يُلامس جثة لحيوان نجس يستلزم تطهيره بإلقائه في الماء ويُعتبر نجسًا حتى المساء.
      ويستمر السفر في الإصحاح الثاني عشر الحديث عن النجاسات، ويقول إن المرأة بعد ولادة ذكر تكون نجسة لمدة سبعة أيام، كما في أيام الطمث أما بعد ولادة أنثى فهي نجسة لمدة أسبوعين، وتقيم ثلاثة وثلاثين يومًا في دم تطهيرها إذا ولدت ذكر، و تقيم ستة وستين و يومًا في دم تطهيرها إذا ولدت أنثى، وقد ورد أيضًا كيفية تطهيرها، فنقرأ: " وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً.وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ.ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا.وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا.وَمَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لأَجْلِ ابْنٍ أَوِ ابْنَةٍ، تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، إِلَى الْكَاهِنِ،فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هذِهِ شَرِيعَةُ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ».
     وفي الإصحاح الثالث عشر، يتحدث عن البرص، ويعتبر المريض بالبرص نجسًا، ويقرر الكاهن إن كان المرض برصًا أو لا، وعندما يُشفى المريض يطهره الكاهن، ويحتاج المريض إلى طقس معين، وقد ذُكر ذلك في الإصحاح الرابع عشر، فنقرأ: " وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً:«هذِهِ تَكُونُ شَرِيعَةَ الأَبْرَصِ: يَوْمَ طُهْرِهِ، يُؤْتَى بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ.وَيَخْرُجُ الْكَاهِنُ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ، فَإِنْ رَأَى الْكَاهِنُ وَإِذَا ضَرْبَةُ الْبَرَصِ قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الأَبْرَصِ،يَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْمُتَطَهِّرِ عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ، وَخَشَبُ أَرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا.وَيَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُذْبَحَ الْعُصْفُورُ الْوَاحِدُ فِي إِنَاءِ خَزَفٍ عَلَى مَاءٍ حَيٍّ.أَمَّا الْعُصْفُورُ الْحَيُّ فَيَأْخُذُهُ مَعَ خَشَبِ الأَرْزِ وَالْقِرْمِزِ وَالزُّوفَا وَيَغْمِسُهَا مَعَ الْعُصْفُورِ الْحَيِّ فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ عَلَى الْمَاءِ الْحَيِّ،وَيَنْضِحُ عَلَى الْمُتَطَهِّرِ مِنَ الْبَرَصِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيُطَهِّرُهُ، ثُمَّ يُطْلِقُ الْعُصْفُورَ الْحَيَّ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ."، إلى آخر الإصحاح.
      أما عن الإصحاح السادس عشر فسرد السفر به "قانون يوم الكفارة" أو "יום כפור"، والذي أساسه التكفير عن نجاسة المكان المقدس وتقديسه، فنقرأ:" وَمِنْ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْخُذُ تَيْسَيْنِ مِنَ الْمَعْزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا لِمُحْرَقَةٍ.وَيُقَرِّبُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ.وَيَأْخُذُ التَّيْسَيْنِ وَيُوقِفُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ." إلى آخر الإصحاح.
      ثم ينتقل السفر بالحديث عن الفواحش والزيجات المُحرمة؛ فمن الفواحش كشف عورة أي قريب، وقد عَدَّدَ الإصحاح الثامن عشر العورات كعورة الأب والأم وامرأة الأب والأخت والحفيد والعمة والخالة وامرأة العم والكنة (امرأة الابن) وامرأة الأخ، وعورة إمرأة وبنتها أو الحفيدة، وحرم اللواط ونكاح الحيوانات، وهذا نقرأه بالتفصيل في الإصحاح الثامن عشر.
     واشتمل الإصحاح التاسع عشر على شرائع أخلاقية؛ فيُحرم لبس الملابس المنسوجة من أكثر من صنف، بمعنى ألا يكون الثوب من كتان وصوف أو قطن أو وبر إلخ..، وكذلك حرم زرع صنفين في حقل واحد أو تهجين البهائم، ويحرم تشويه الجسد حُزنًا على ميت أو وشم الجسم، ويتناول الإصحاح العشرون أحكام جرائم الزنا وعقوبات جرائم الزنا ويشير في آخر الإصحاح بتمييز بني إسرائيل عن الشعوب الأخرى، لذا عليهم أن يميزوا بين الطاهر والنجس من الحيوانات، ينتهي الإصحاح برجم الرجل والمرأة إذا ثبتت عليهما الجناية.
     وفي الإصحاح الحادي والعشرين يتحدث عن الأزمنة والمواسم المقدسة والأعياد وكيفية الاحتفال بهذه الأعياد، وينتهي السفر بوعد إذا عملوا بوصايا الرب ووعيد إذا خالفوا الوصايا.
    وتَقع الإصحاحات من الثامن عشر إلى السادس والعشرين تحت مُسمى قانون القداسة، وسمي بهذا الاسم لأنه تكرر فيه تعبير (قدوس – مُقدس – أقدسكم..)، ويشمل هذا القانون على مادة دينية مُتنوعة كما ذكرنا سابقًا.
   وهذا السفر من الأسفار الهامة نظرًا لأنه يحتوي على شرائع خاصة بالمُحلل والمحرم وشرائع النظافة والتطهير والنكاح والأعياد وعزل المرضى من بعض الأمراض، وفيه بعض الأحكام الخاصة بالحلال والحرام من الطعام حكمة طيبة، فمثلًا لحم الخنزير الذي أثبت العلم الحديث أن لحمه يتعفن بسرعة ويسبب أمراضًا خطيرة، وهذا التحريم كغيره من التحريمات التى تم ذكرها، يتشابه مع الإسلام فنقرأ فى كتاب الله عزوجل، "بسم الله الرحمن الرحيم"، " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ". سورة المائدة الآية الثالثة.
    والجدير بالذكر أن الهدف من سفر اللاويين لا يتمثل فقط في الإعلان عن مجموعة الأحكام والقوانيين المرتبطة التي تقدم للرب في الهيكل، ولكن الهدف الرئيسي للسفر يتمثل في حفظ القداسة في بني إسرائيل؛ فبعد أن أسقط الرب تجليه في المسكن وسط إسرائيل قدست كل جماعة إسرائيل، وأمروا أن يكونوا قدسيين لأن "يهوه" قدوس، وذلك يَدل على خصوصية  وقومية الديانة وجعل تلك الشرائع خاصة فقط ببني إسرائيل لتميزهم عن غيرهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة