أخر أسفار التوراة
كتب: منة الله عامر
يُعتبر سفر التثنية
أخر أسفار التوراة الخمس، ومعظم ما وردَ به يُعد إعادة لما جاء فى أسفار التوراة
السابقة له، ففى هذا التقرير سنعرض الجزء الأول من هذا السفر وما كُتبَ به، وهل أتى بجديد يختلف عما سبق ذكره ؟!
سفر التثنية
يُسمى هذا السفر سفر التثنية لأنه إعادة للشرائع، يشتمل
على ثلاث وأربعون إصحاحًا، ووفقًا لما وردَ فى سفر الملوك الثانى فإنه قج إكتشف
هذا السفر بعض العمال أثناء ترميمهم لمعبد بأورشاليهم فى عهد الملك يوشيا وسلموه
إلى الكاهن الأعظم، فنقرأ فى سفر الملوك الثانى الإصحاح الثانى والعشرون:" فَقَالَ حِلْقِيَّا
الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ
فِي بَيْتِ الرَّبِّ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ فَقَرَأَهُ.وَجَاءَ
شَافَانُ الْكَاتِبُ إِلَى الْمَلِكِ وَرَدَّ عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا وَقَالَ: «قَدْ
أَفْرَغَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبَيْتِ وَدَفَعُوهَا إِلَى يَدِ
عَامِلِي الشُّغْلِ وُكَلاَءِ بَيْتِ الرَّبِّ».وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ
قَائِلاً: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا». وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ
الْمَلِكِ.فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ.وَأَمَرَ
الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا
وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ قَائِلاً:«اذْهَبُوا اسْأَلُوا
الرَّبَّ لأَجْلِي وَلأَجْلِ الشَّعْبِ وَلأَجْلِ كُلِّ يَهُوذَا مِنْ جِهَةِ كَلاَمِ
هذَا السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ هُوَ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي اشْتَعَلَ
عَلَيْنَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِ هذَا السِّفْرِ
لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا».
ويبدو
أن السفر كتبه كهنة أورشاليم وأودعوه فى حجرة بالمعبد ليكتشفه العُمال كما أتضح من
الفقرات السابقة، ويعتبر السفر تطويرًا فى الشريعة اليهودية وتوجيها للشريعة إلى
ناحية إنسانية وأخلاقية وكذلك يعتبر هذا السفر تقريبًا لوجهتى نظر الأنبياء
والكهنة، فالأنبياء كانوا ينادون أن الذى يهم الرب أساسًا الخلق الطيب وليس ممارسة
الطقوس.
وكانت وجهه نظر الكهنة هى أن ممارسة الطقوس
ركن أساسى فى الديانة، ولا يستطيع الفرد أن يحظى برضاء الرب إلا إذا قدم القرابين
والهدايا للمعبد.
يبدأ السفر بسرد تاريخ بنى إسرائيل من
وقت خروجهم من مصر إلى فترة التيه ثم يبدأ فى الإصحاح الخامس إلى حث بنى إسرائيل
إلى حب الرب الذى أراد بهم خيرًا وعمل المُعجزات من أجل إنقاذهم.
وفى
الإصحاح الخامس الفقرة تُعاد صياغة
الوصايا العشر فنقرأ: "أَنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ
مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ.لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.لاَ
تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ
وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.لاَ تَسْجُدْ
لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ
ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ
يُبْغِضُونَنِي، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ.لاَ
تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ
بِاسْمِهِ بَاطِلاً.اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ
إِلهُكَ.سِتَّةَ أَيَّامٍ تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ،وَأَمَّا الْيَوْمُ
السَّابعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، لاَ تَعْمَلْ فِيهِ عَمَلاً مَّا أَنْتَ وَابْنُكَ
وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ، وَنَزِيلُكَ
الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ لِكَيْ يَسْتَرِيحَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلَكَ.وَاذْكُرْ
أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَأَخْرَجَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ
بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ
أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ.أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ
إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي
يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.لاَ تَقْتُلْ،وَلاَ تَزْنِ".
ويستمر السفر فى الحث على المُحافظة على
الوصايا والفرائض التى أمر بها الرب؛ لكى يحفظ الرب العهد الذى قطعه معهم، وفى
الإصحاح السابع يتحدث عن أخبار الرب لبنى إسرائيل، ويُأكد السفر على عدم التزاوج
من الشعوب الآخرى، فنقرأ: "وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ أَمَامَكَ، وَضَرَبْتَهُمْ،
فَإِنَّكَ تُحَرِّمُهُمْ. لاَ تَقْطَعْ لَهُمْ عَهْدًا، وَلاَ تُشْفِقْ عَلَيْهِمْ،
وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ.لأَنَّهُ
يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى".
ويُكمل السفر سرد الأحداث ففى الإصحاح التاسع
يذكر تمرد بنى إسرائيل وسخط الرب عليهم، فقد تمرد بنى إسرائيل عندما صعد موسى
ليأخذ لوحى الحجر المكتوب عليهما الوصايا العشرة حينما اتخذوا لأنفسهم عجلًا مسبوكًا ليعبدونه، ونُلاحظ
فى هذا السفر كما ذكرنا سلفًا، تكرار ما تم ذكره فى الأسفار السابقة له، فيُكمل
الإصحاح قصة موسى والألواح، فيكتب كاتب السفر على لسان النبى موسى –عليه السلام-، "لأَنِّي فَزِعْتُ
مِنَ الْغَضَبِ وَالْغَيْظِ الَّذِي سَخِطَهُ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ لِيُبِيدَكُمْ. فَسَمِعَ
لِيَ الرَّبُّ تِلْكَ الْمَرَّةَ أَيْضًا.وَعَلَى هَارُونَ غَضِبَ الرَّبُّ جِدًّا
لِيُبِيدَهُ. فَصَلَّيْتُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ هَارُونَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ. وَأَمَّا
خَطِيَّتُكُمُ، الْعِجْلُ الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ، فَأَخَذْتُهُ وَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ،
وَرَضَضْتُهُ وَطَحَنْتُهُ جَيِّدًا حَتَّى نَعِمَ كَالْغُبَارِ. ثُمَّ طَرَحْتُ غُبَارَهُ
فِي النَّهْرِ الْمُنْحَدِرِ مِنَ الْجَبَلِ.«وَفِي تَبْعِيرَةَ وَمَسَّةَ وَقَبَرُوتَ
هَتَّأَوَةَ أَسْخَطْتُمُ الرَّبَّ".
يستكمل السفر سرد الأحداث وفى الإصحاح العاشر،
يأمر الرب موسى أن ينحت لوحين من الحجر كلوحى العهد الذى كسره غضبًا، وأمره أن
يصنع تابوتًا،وعلى لسان موسى يقول أنه صعد إلى الجبل وكتب الرب الوصايا العشر
ووضعهما فى التابوت الذى صنعه من خشب السنط، ثم يُخبر عن موت هارون وتولى إلعازار
إبنه الكهانة.
ويخصص
السفر قبيلة لاوى لحمل التابوت وخدمته، فنقرأ:" فِي ذلِكَ الْوَقْتِ
أَفْرَزَ الرَّبُّ سِبْطَ لاَوِي لِيَحْمِلُوا تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ، وَلِكَيْ
يَقِفُوا أَمَامَ الرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَيُبَارِكُوا بِاسْمِهِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.لأَجْلِ
ذلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلاَوِي قِسْمٌ وَلاَ نَصِيبٌ مَعَ إِخْوَتِهِ. الرَّبُّ هُوَ نَصِيبُهُ
كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ إِلهُكَ".
يبدأ السفر فى
تغيره مساره وتظهر وجهه نظر كهنة أورشاليم فى تخصيص مكان واحد للعبادة، كمعبد رئيسى
يقدم فيه القرابين فنقرأ فى الإصحاح الثانى عشر:" فَالْمَكَانُ الَّذِي يَخْتَارُهُ
الرَّبُّ إِلهُكُمْ لِيُحِلَّ اسْمَهُ فِيهِ، تَحْمِلُونَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا أَنَا
أُوصِيكُمْ بِهِ: مُحْرَقَاتِكُمْ وَذَبَائِحَكُمْ وَعُشُورَكُمْ وَرَفَائِعَ أَيْدِيكُمْ
وَكُلَّ خِيَارِ نُذُورِكُمُ الَّتِي تَنْذُرُونَهَا لِلرَّبِّ"، ومن هنا جاءت
خصوصية الديانة، فبعد أن كانت الطقوس تُمارس فى أى مكان أصبح هناك مكان واحد فقط، يسمح
به تأدية تلك الطقوس.
وفى الإصحاح
الثالث عشر تقرير وتأكيد أن لا عبادة إلا للرب لا طاعة إلا له، وتحريم عبادة أى إله
غير بنى إسرائيل.
وبهذا نختتم
الجزء الأول من هذا السفر، لنستكمل فى التقرير القادم، تفرد هذا السفر وأهميته وما
هى البركات واللعنات التى وردت به والتشريعات الآخرى التى ميزته.
تعليقات
إرسال تعليق