بين مُعجزات سفر يشوع وحروبه الدموية
كتب: منة الله عامر
يبدأ القسم الثاني من
أسفار العهد القديم، وهو قسم الأنبياء بسفر يشوع، الذي تشبه قصته قصة موسى -عليه السلام-
من حيث الخطوط العامة للرواية؛ فكاتب السفر كان يسعى إلى الوصول بيشوع إلى مرتبة موسى
-عليه السلام-، إضافة إلى ذلك قصص الحروب التي تدل على العنف والوحشية، وهذا ما سنعرضه
بشكل مبسط في هذا التقرير.
سفر يشوع
يتكون السفر
من أربعة وعشرين إصحاحًا، فيشوع هو بطل السفر وليس كاتبه؛ حيث يتميز قسم الأنبياء بتسمية
السفر باسم النبي الذي يتحدث عنه السفر وليس كاتبه، وكاتب هذا السفر يهدف إلى إعلاء
شأن بطله ويوصله إلى درجة لا تقل عن درجة سيدنا موسى -عليه السلام-؛ فينسب إليه معجزات
خصها به الرب، فكما خُص موسى بمعجزة شق البحر عند قيادته لبني إسرائيل في أثناء الخروج
من مصر، يذكر السفر أن مياه الأردن انفلقت أمام جيش بني إسرائيل بقيادة يشوع، فنقرأ:
"وَيَكُونُ حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ الْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ
الرَّبِّ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا فِي مِيَاهِ الأُرْدُنِّ، أَنَّ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ،
المِيْاهَ الْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ، تَنْفَلِقُ وَتَقِفُ نَدًّا وَاحِدًا».وَلَمَّا
ارْتَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ لِكَيْ يَعْبُرُوا الأُرْدُنَّ، وَالْكَهَنَةُ
حَامِلُو تَابُوتِ الْعَهْدِ أَمَامَ الشَّعْبِ،فَعِنْدَ إِتْيَانِ حَامِلِي التَّابُوتِ
إِلَى الأُرْدُنِّ وَانْغِمَاسِ أَرْجُلِ الْكَهَنَةِ حَامِلِي التَّابُوتِ فِي ضَفَّةِ
الْمِيَاهِ، وَالأُرْدُنُّ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ كُلَّ أَيَّامِ الْحَصَادِ،وَقَفَتِ
الْمِيَاهُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ، وَقَامَتْ نَدًّا وَاحِدًا بَعِيدًا جِدًّا
عَنْ «أَدَامَ» الْمَدِينَةِ الَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ، وَالْمُنْحَدِرَةُ إِلَى
بَحْرِ الْعَرَبَةِ «بَحْرِ الْمِلْحِ» انْقَطَعَتْ تَمَامًا، وَعَبَرَ الشَّعْبُ مُقَابِلَ
أَرِيحَا.فَوَقَفَ الْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ عَلَى الْيَابِسَةِ
فِي وَسَطِ الأُرْدُنِّ رَاسِخِينَ، وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ عَابِرُونَ عَلَى الْيَابِسَةِ
حَتَّى انْتَهَى جَمِيعُ الشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ الأُرْدُنِّ". (3: 13-16).
ويذكر السفر
أن الرب خص يشوع بمعجزات؛ حيث أوقف له الشمس في كبد السماء على جبعون حتى ينتهي من
الانتقام من أعدائه الأموريين في النهار، فنقرأ: " حِينَئِذٍ كَلَّمَ يَشُوعُ
الرَّبَّ، يَوْمَ أَسْلَمَ الرَّبُّ الأَمُورِيِّينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ
أَمَامَ عُيُونِ إِسْرَائِيلَ: «يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى
وَادِي أَيَّلُونَ».فَدَامَتِ الشَّمْسُ وَوَقَفَ الْقَمَرُ حَتَّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ
مِنْ أَعْدَائِهِ. أَلَيْسَ هذَا مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ يَاشَرَ؟ فَوَقَفَتِ الشَّمْسُ
فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِل".(10:
12-14).
ويتدخل الرب
ويرمي أعدائه بحجارة عظيمة من السماء، فنقرأ:" وَبَيْنَمَا هُمْ هَارِبُونَ مِنْ
أَمَامِ إِسْرَائِيلَ وَهُمْ فِي مُنْحَدَرِ بَيْتِ حُورُونَ، رَمَاهُمُ الرَّبُّ بِحِجَارَةٍ
عَظِيمَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ فَمَاتُوا. وَالَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ
الْبَرَدِ هُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْفِ".(10
:11 ).
ويذكر السفر أن
يشوع كلم رئيس جند الرب عند أريحا، فنقرأ: "وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ
أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، وَإِذَا بِرَجُل وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ،
وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ. فَسَارَ يَشُوعُ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَنَا
أَنْتَ أَوْ لأَعدَائِنَا؟»فَقَالَ: «كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ.
الآنَ أَتَيْتُ». فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ
لَهُ: «بِمَاذَا يُكَلِّمُ سَيِّدِي عَبْدَهُ؟».
ويستخدم نفس
الكلمات التي خاطب بها الرب موسى -عليه السلام-، فنقرأ: "فَقَالَ رَئِيسُ جُنْدِ
الرَّبِّ لِيَشُوعَ: «اخْلَعْ نَعْلَكَ مِنْ رِجْلِكَ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ
وَاقِفٌ عَلَيْهِ هُوَ مُقَدَّسٌ». فَفَعَلَ يَشُوعُ كَذلِكَ"، وهذه هي نفس الكلمات
التي ذُكرت في سفر الخروج عند لقاء موسى بالرب على جبل "حوريب".
وما يُميز سفر
يشوع أنه مليء بأخبار حروب يشوع ضد الأمم التي كانت تسكن المنطقة، وكان يهوه دائمًا
يتدخل لينصر بني إسرائيل على أعدائهم، ويبدو أن كاتب السفر اتبع نفس المنهج الذي كان
سائدًا في مثل هذا النوع من الأدب، فهو يشبه العديد من النصوص في ذلك الوقت مثل: قصة
"كموش" إله الموآبيين الذي فَرح وقرت عينه عندما قتل ميشع أهل مدينة
"عطرت".
ويسرد الإصحاح
السادس وحشية الحروب التي خاضها بنو إسرائيل والعنف المُستخدم في تلك الحروب؛ حيث دخلوا
المدينة وقتلوا كل رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم، فنقرأ: " وَحَرَّمُوا
كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ
وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ". يشوع (6 : 21)، فلا عجب أن ما نراه
الآن من عُنف ووحشية ضد الفلسطينيين، نتيجة مُباشرة لما هو مذكور في كُتبهم المُقدسة.
وبعد ذكر حروب
يشوع يحدد السفر المُدن العشرين التي كانت ملجأ لمرتكبي القتل الخطأ؛ حيث كانوا يلجئون
إليها اتقاء شر الطالب بالثأر من أولياء القتلى، وكان هؤلاء اللاجئون يستقرون في هذه
المدن إلى موت الكاهن الأعظم الذي حدثت في عهده الجريمة، وينتهي سفر يشوع بتقسيم المناطق
على بعض الأسباط، وبنصائح يوجهها يشوع للتمسك بشريعة الرب، ويقرر أن الرب سيسلبهم ما
امتلكوه، ولن يكون معهم إذا خالفوا شريعته، فنقرأ:
" فَالآنَ اخْشَوْا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَال
وَأَمَانَةٍ، وَانْزِعُوا الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عِبْرِ النَّهْرِ
وَفِي مِصْرَ، وَاعْبُدُوا الرَّبَّ.وَإِنْ سَاءَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا
الرَّبَّ، فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ: إِنْ كَانَ الآلِهَةَ
الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ آلِهَةَ
الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِهِمْ. وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي
فَنَعْبُدُ الرَّبَّ».فَأَجَابَ الشَّعْبُ وَقَالُوا:«حَاشَا لَنَا أَنْ نَتْرُكَ الرَّبَّ
لِنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى".(24: 14-16).
ثم يذكر السفر
خبر موت يشوع تمامًا كما حدث في نهاية قصة موسى، فنقرأ: " وَكَانَ بَعْدَ هذَا
الْكَلاَمِ أَنَّهُ مَاتَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ عَبْدُ الرَّبِّ ابْنَ مِئَةٍ وَعَشْرِ
سِنِينَ.فَدَفَنُوهُ فِي تُخُمِ مُلْكِهِ، فِي تِمْنَةَ سَارَحَ الَّتِي فِي جَبَلِ
أَفْرَايِمَ شِمَالِيَّ جَبَلِ جَاعَشَ". (24 :29-30).
ويتضح من مضمون
السفر أن المعلومات التاريخية الواردة فيه من تخيلات أمة تضفي على شخصية من شخصياتها
بطولات لم يحلم هو بها، مُقلدة في ذلك الشعوب التي عاشت بينها، فلم يكن لبني إسرائيل
في فترة التيه الاستعداد النفسي ولا العتاد الحربي لمحاربة مدينة مُحصنة تحصينًا كاملًا،
فلم يكن هناك رماح ولا دروع ولا عربات حرب كما تقول أنشودة "دبورا" في سفر
القضاة فنقرأ: " اِخْتَارَ آلِهَةً حَدِيثَةً. حِينَئِذٍ حَرْبُ الأَبْوَابِ.
هَلْ كَانَ يُرَى مِجَنٌّ أَوْ رُمْحٌ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِسْرَائِيلَ؟".
سفر القضاة (5 :8 ).
وورد أيضًا في
سفر القضاة أنهم لم يعرفوا فنون القتال من قبل، فنقرأ: " إِنَّمَا لِمَعْرِفَةِ
أَجْيَالِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِتَعْلِيمِهِمْ الْحَرْبَ. الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوهَا
قَبْلُ". القضاة (3 :2).
ولعل وجهة النظر
التي يعرضها سفر القضاة في وسيلة الدخول إلى أرض كنعان أقرب إلى الحقيقة، ولو أنها
لا تنتمي إلى الحقيقة كلها وخاصة في التفاصيل؛ حيث إن المعلومات عن هذه الفترة سُجلت
من ذكريات القبائل بعد وقوع الحوادث بعدة قرون.
المصدر المُقتبس
منه: كتاب "اليهودية"، لدكتور محمد بحر عبد المجيد.

تعليقات
إرسال تعليق