רשת ב- الاذاعة الاسرائيلية

أكتبُ وفي الخليفة الصوتية لكتابتي النشرة العبرية على قناة الراديو الاسرائيلي  "
רשת ב
  

لماذا؟ دعوني أعرض عرض بسيط لكم، لماذا يحدث ذلك؟
    
     لقد أتاح لي القدر أن أدرس اللغة العبرية في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغات الشرقية شعبة سامي- اللغة العبرية وآدابها، هكذا بدء الأمر، ما سيتبادر على ذهنك الآن عزيزي القارئ بأن مجموع الثانوية العامة هو من زج بي لهذا القسم غريب الأطوار المربك! ولكن لا لم يزج بي مجموعي، أنا من فعلت ذلك بنفسي، منذ كنت طفلة وكنت آرى الحروف العبرية على شاشة التلفاز أثناء مشاهدتنا للنشرة الأخبارية، اعتاد أبي أن يجعلنا نجلس لنعرف ما يحدث حول العالم من أحداث، فكان أمر هام جدًا بالنسبة له في ذلك الوقت، حينها كنت طفلة في الصف الرابع أو الخامس الأبتدائي، بدأت أسأل والدتي رحمها الله، ما تلك الحروف الغربية، فتُجينبي إنها العبرية، ينتابني حالة من الاستغراب وأقول لها: وما هى العبرية؟ فتُجيبني إجابة مختصرة، إنها لغتهم يا منة، ثم أتسأل ثانية: ولماذا يقتلون الأطفال هكذا؟ أهل هى أرضهم ومَنْ هم في الأساس؟ فكطفلة صغيرة لم يروقني الرد مطلقًا، وذهبت لأسأل أخي الكبير، حينها قال لي: إنهم يعتقدون أنهم هم أسياد العالم ونحن العبيد، لذلك يقتلون ويذبحون ويغتصبون بهذا الشكل، فاستمر في السؤال: وهل هم حقًا أسياد العالم؟ يجيب أخي: لا، هم يظنون فقط، عندما انهيت المحادثة مع أخي، ذهبت عائدة لأمي: -ماما، "ده بيقول أنهم هم أسياد العالم، يعني هيجوا ويحتلونا احنا كمان؟"- (عذرًا لابد هنا أن أضع الجملة بالعامية؛ لتحقق مغاذاها فيما بعد)، أمي: لا يا منة أن شاء الله ربنا هيحمينا.  وبالطبع أنتابني الخوف، الخوف من شئ لا أفهمه وأجهله كل الجهل.
    انتهت المحادثة وكنت كلما آرى الحروف العبرية، يأتي بداخلي صوت يقول لي؛ تعلميها يا منة لابد أن تتعلميها، لتعرفي أكثر عن سبب كل ما يحدث ولماذا كل هذا القتل والدم.
    ومن هنا؛ بدأت الرغبة أحيانًا في الازدياد وفي القلة حسب المرحلة العمرية التى اخطو إليها، حتى جاءت السنة الحاسمة الثانوية العامة، لن أخدعكم إننى نسيت تلك المحاورات، لأن في ذلك الوقت تلمكنى حب الرسم والكتابة، وقررت أن ألتحق بالفنون الجميلة، ولكن بكل أسف لم أنجح في اختبار القدرات وقتها، لذلك تذكرت تلك الرغبة في تعلم العبرية، وهكذا كان القدر يُحيك لي، مرحلة أخرى مليئة بالهذل والجد.
   التحقت بالكليةِ وبدأت الأشياء كما تبدأ مع أي شخص لأول مرة يلج إلى الجامعة، ولكن معي ومع العبرية اختلف الأمر، لم أتعلم اللغة لكي أتبهى بها بين الزملاء ولا لأربح ربحًا ماديًا كاسحًا، ولا من أجل الشهرة كما يحدث مع الكثيرين، أنا تعلمت العبرية؛ لكي أعرف من خلالها أكثر، مَنْ هم هؤلاء الناس الذين يظنون أنهم أسياد ونحن عبيد، ولماذا يظنون مثل هذا الظن.
    اللغة العبرية من بين كل لغات العالم، لغة لها حساسيتها الخاصة كونها لغة ماتت وتم أحيائها مع تواجد الاحتلال الصهيوني في المنطقة العربية ومع بداية حركة النهضة، ونظرًا لأنها من ضمن اللغات السامية وتشترك في نفس الشجرة اللغوية، للغة العربية، فإنها قريبة منها بعض، ساقتصر هذا الحديث فهو ليس مجاله هنا.
    الآن وقد انتشرت أقسام اللغة العبرية في العديد من الجامعات على مستوى الجمهورية، أصبح هناك هزل، هزلًا لا حدود له، سواء بين دكاترة الجامعات أو الطلاب أنفسهم، فكلًا منهم تنمو في داخله بذرة، للأسف الشديد في أغلب الأحيان هى بذرة سيئة ترويها اللغة بغرور داخله، وهو لا يدري إنها لغة ليس بقدر الأهمية كبقية اللغات، كالأنجليزية مثلًا أو الأمانية وغيرهم، يأخذون فقط قشرة اللغة، فاللغة بالنسبة لي ليس التناطح مع الأخرين، وإنما لكسب العلم والمعرفة في هذا التخصص، وليس ابتذال التصرف بها والتنطع على الآخرين، لقد اكتشفت أن للغة العبرية قدرة على جعل الشخص مغتر بغير حق، هو في الأساس لا يملك أى علم ولا معرفة، ولكنه اكتسب اللغة ويبدأ في استعراض ما حفظ من جمل وكلمات، لا يعلم أى شئ عن أصلها ولا عن أى معلومة مفيدة عن ماهية وتاريخ اللغة.
    ما أود قوله: أن معظم من دخل اللغات الشرقية أو أقسام اللغة العبرية على مستوى الجمهورية، دخلوا بسبب مجموع الثانوية العامة، وهذا هو ما يثير بي الأسى، ويظن  البعض أن مجال العمل واسع، ربما هو كذلك ولكن لفئة مميزة وربما أحيانًا لمحبي التملق! نعم، التملق، والواسطة أيضًا.
ولآن أذهب مباشرة إلى ما يسمونهم "الكتيبة العبرية"، نسبة للغة العبرية، السؤال الأول: لماذا يُلقبوا بهذا الاسم، ومن لقبهم به؟ ولماذا هذا الاسم من الأصل؟
    سأعرض وجهة نظري في هذا؛ جزء منهم يتاجروا بأحلام الشباب سواء بطرق مشروعة أم ببعض الأكاذيب والسرقة والحث على العمل المستمر ليأخذوا هم منهم بعد ذلك المال في مقابل ذلك، وهذا في كل المجالات، ولكن هنا أنتَ تتحدث لغة -العدو- لن أقول أنه صديق لك، سيظل عدو مهما ادعيت ومهما تطبعت معه ففي داخلك هو عدو لدود يقتل ويغتصب ويدمر ويسرق ويسلب العرب كل يوم ولكل لحظة قطعة من أرضهم، ولا أكتب هذا المقال لأدافع عن حق أصحاب الأرض، فأنا لا أملك أى شئ أمنحه لهم، ولكني أوضح ما يفعله المستفيدين والمتنطعين أمثال المتاجرين بأحلام الشباب، وتعلم لُغة العدو.
    إذا كنتَ بالفعل تود أن تتعلم لغة عدوكَ، فتعلمها لكي تعرفه، لكي تتوغل في نفسيته وتحصن نفسك منه ومن أفكاره، وليس لتتباهي بها، فلا تغتر بلغة أصحابها أحيوها؛ لكي يسلبوا الأخرين حقوقهم، تعلم لغة العدو لتبحث، لتفهم، لتنشر وعي وتحارب فكر، منتشر ومستمر في الانتشار، لتقاوم حرب ربما هى قادمة إليكَ، وأنتَ للأسف مازالت مغتر ببعض ما حفظت فقط وليس ما اكتسبت من علم ومعرفة.
منة الله عامر

تعليقات

المشاركات الشائعة