حامل الضياء وعباده ג
كتبت: منة الله عامر
في التقرير السابق لم ننكر دور الشيطان في
تزين الشر بعين الإنسان، ولن ننكر أيضًا اختيار الإنسان للشر أو الخير، فالشيطان
لا يستطيع ممارس سلطانه إلا على من جنح للسيئة واختار الشر، عند ذلك يغدو الشيطان
وليه، وموجهًا لخُطاه، فالشر ينبع من النفس أولًا، ثم يتفاقم بعون الشيطان، يقول
المولى جل جلاله:
بسم الله الرحمن الرحيم
"مَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ
نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" سورة الزخرف الآية 36
"وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا
قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ
مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
سورة ابراهيم الآية 22
"كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ
قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" سورة الحشر
16
لذلك وعلى مر التاريخ، كان هناك العديد
من عُباد الشيطان، وهناك مسلسل تلفزيوني باسم
Chilling
adventure of sabrenaسرد موضوع عبادة الشيطان في اطار تشويقى درامي ساخر
ونحاول في هذا التقرير سرد أصل عبادة الشيطان
وكيف حدثت وتطورت.
فمن الراجح أن عبادة الشيطان تنتمي قديمًا إلى الشعور بقوة الشر في البيئة
التي نشأت فيها وأحاطت بها، ومن الراجح أيضًا أن الشعور بقوة الشر قد كان أشده؛
حيث آمن الناس بقسمة العالم بين النور والظلمة، وبين الطيبة والخباثة، وجعلوا لإله
الشر حصة في الكون مساوية لحصة إله الخير أو قريبة منها، وتلك هى الثنوية الزرادشتية
منذ أقدم أطوارها.
قامت هذه العقيدة قديمًا في شتى
أنحاء العالم، ويرجح أنها منحولة من الديانة المانوية، وبعض ديانات الحضارات
الأولى التى كانت تُقدس الرجس والعبادات الشاذة، ودون التطويل في عقائد العبادات
الأخرى، سنذهب مباشرة إلى عبادة الشيطان وما يفعله عُباد الشيطان، بالطبع لا تخلو
العبادة من فعل كل شئ مُحرم، والمختلف أو المثير للفضول، هو ما يُزعم أن آدم طلق
حواء وتزوج بالربة البابلية "ليلث – أو ليلي"، وأن حواء تزوجت بعده
بمارد من الجن، فجاء النوع الإنساني خليطًا من الآدميين والمردة وذرية الأرباب
الوثنية، واشتهر من عباداتهم عبادة القداس الأسود ومحورها صورة الشيطان عاريًا
وصورة فتاة عارية تتقدم المصلين إليه، وتنقل إليهم البركة بلمس أعضائه، وتنهي
الصلاة بضروب من الإباحيات كالتي كانت تُقترف في عبادات أرباب النسل عند الوثنيين.
(شئ يشبه الزنا الجماعي المحرم).
وكل جماعة سرية ظهرت في القرون الوسطى فهى على صلة بطائفة من تلك الطوائف،
ومنها الجماعة التى سميت باسم الهيلكيين والحبليين، والعقيدة السائدة بين هذه
الطوائف على تنوع مذاهبها، هو سيادة سلطان الشر على العالم الأرضي خاصة، وتنازع
الكون بين القوة العليا والقوة السفلى، وضرورة التفاهم مع الشيطان في أمور هذه
الدنيا؛ لأن إله الخير على قوته وحكمته قد نفض يديه من دنيا بني آدم؛ لإعوجاجهم
ودخيلة السوء في طباعهم باختيارهم لا بدسيسة عليهم من قبل الشيطان. -على حد زعمهم-.
وظل هذا المعتقد بين طائفة كبيرة من الأوروبين الغربيين، وسيق ثلاثة وستون
رجلًا وامرأة إلى محكمة التفتيشي طولوز (يونيو سنة1335 ) وأثناء الاستجواب قالت
أحدى النساء وكانت تُدعى آن ماري جيورجل إن
الله ملك السماء والشيطان ملك الأرض وهما نِدان متساويان سرمديان يتساجلان النصر
والهزيمة، وينفرد الشيطان بالنصر البين في العصر الحاضر وينقل رودس، صاحب كتاب
القداس الشيطاني، نبذًا من تاريخ فرنسا للمؤرخ الكبير "ميشليه" يُفهم
منها أن هذه العبادات قد امتزجت زمنًا بالثورة الاجتماعية وانحلال الأخلاق وفتور
الإيمان بالدين، فقد كان القداس الأسود صلاة إلى الشيطان ينادونه فيها باسم رئيس
العبيد، وتقوم فيها بوظيفة الكاهنة فتاة عارية تمعن في الرقص حتى يأخذها الدوار،
ثم يتصدى من الجمع أحد الرجال المندوبين للعبادة، فيتم الصلاة باتخاذ دور الشيطان،
واعتبار الفتاة محرابًا حيًا للمعبود!
عاشت هذه النحل الشيطانية حقبة طويلة، لا شك أنها كانت أطول مما يتاح لها
لو لم يكن لها سند من الحوادث غير مزاياها الخلقية أو الوجدانية، ولكنها استفادت
من مظالم المجتمع وجهالة المؤمنين بالسحر وسلطان الشيطان على مقادير الأرضية.
وعلينا أن نذكر الطائفة اليزيدية في شمال العراق، فهم يؤمنون بسبعة آلهة
خلقت من نور إله واحد كما تضاء الشمعة من الشمعة، فقد خُلق كل منهم في يوم من أيام
الأسبوع، وندبه الإله الأكبر لإبداع جزء من العالم الأعلى أو العالم الأدنى، ويعتقدون
في تناسخ الأرواح وعودة الأشرار إلى الحياة في أجساد الحيوان، ويحرمون ألوانًا من
الأطعمة والأكسية، وهم يقدسون السيدة مريم والحلاج ويحجون إلى جبل الدروز كما
يحجون إلى مكة، وكتابهم المقدس يسمى كتاب الجلوة، يلحق به كتاب يسمى مصحف رش أو
المصحف الأسود، ولكن الفصل الثالث من كتاب الجلوة يعلمهم أن الله يرشد بغير كتاب،
وبخص عبادة المقربيين بالإلهام، ولكن لم يرد ذكر بعبادتهم للشيطان وربما هو لَبس بسبب
عقيدتهم الغريبة.
لم نرى أى نِحل شيطانية تَعبد الشيطان بالمعنى المفهوم للعبادة، وهو الحب
والتنزيه والتسليم، وإنما يقصدونه بتلك المراسم التى يسمونها العبادة أن يتوجهه
إليه بالترضية وأن يتقوا منه الشر، ويقال أن الشكل الأخير لعبادة الشيطان هى
الماسونية العالمية الحديثة، وربما نفرد لها تقريرًا خاص بها فيما بعد.
والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خُيل إليك أنه عيب في الصورة، ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه، وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خُيل إليك أنه عيب في الصورة، ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه، وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة.
ولهذا يقول الفيلسوف حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى.
إذا فعبادة الشيطان هى حقيقة متواجد بيننا منذ أقدم العصور حتى الآن،
والهدف من هذا السرد الموجز هو المعرفة؛ فلا يمكن لشخص يعرف أن يتم خداعه ببعض
الكلمات البالية، ومن خلال هذا التقرير البسيط وما سبقه وما سيليه من تقارير، أمل
بأن يكون لدى كُلًا منا المعرفة الكافية التى ستكون حصنه عندما يُفتن.
المراجع المستخدمة، إبليس، عباس محمود العقاد
الرحمن والشيطان، فراس السواح
المراجع المستخدمة، إبليس، عباس محمود العقاد
الرحمن والشيطان، فراس السواح
تعليقات
إرسال تعليق