جبريل وميخَئيل في العهد القديم ב
كتب: منة الله عامر
يحتل جبريل -عليه السلام- منزلة رفيعة في القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهرة، فجبريل -عليه السلام- أحد الملائكة المقربين، وقد نزل بالوحي على الأنبياء.
سُمى سيدنا جبريل "عليه السلام" بالروح القدس في سورة البقرة 87، 253، وفي المائدة 110، وفي النحل 102، كما سُمى "الروح الأمين" في الشعراء 192 – 197، كما جاء "جبريل" بلفظة في سورة البقرة 97، 98، واسم "جبريل" تصرفت العرب فيه كعادتها في تغير الأسماء الأعجمية، فالعرب كما يقول ابن جني إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه.
جبرئيل هى القراءة العربية الأقرب إلى النقل الصوتي للاسم العبري גבריאל إلا أن الراء في الاسم العبري مكسورة، والهمزة ممالة نحو الكسر.
جبريل والملائكة في العهد القديم:
كان أول ظهور للملائكة باسمائها في "سفر دانيال" فورد اسم جبريل في (8: 16، 9: 21- 22)، وورد اسم ميكال "ميخائيل"، في (10: 13، 21)، (12: 1)، وسفر دانيال لا ينتمي إلى أدب النبوة إنما ينتمي إلى أدب الرؤى، والذي ظهر بعد انتهاء النبوة من بني إسرائيل وأصل التسمية من اليونانية "أبوكاليبس" التي تعني كشف أو إظهار، وهذا الأدب يقو في أساسه على رؤى أو أحلام تتعلق "بنهاية الزمان - אחרית הימים"، وتلك الرؤى والحلام ملغزة وغامضة وتحتاج تفسيرًا وتأويلًا،ويقوم بتلك المهمة ملك وهو جبريل عند دانيال.
دور جبريل -عليه السلام- في سفر دانيال مهم؛ حيث جاء ليفك لدانيال "شفرات" الرؤى التى رآها، فكان هذا دور الوساطة لجبريل الملاك، وبما أن الملائكة جند السماء فهى تدخل في تشكيلات تسمح بوجود "رؤساء"، أو ملائكة ذوات "منزلة عليا"، وملائكة "ذوات مرتبة أدنى"، وتتميز "الرؤساء" من الملائكة بإنها تظهر بأسمائها، وتقوم بالوساطة بين العالم العلوي والعالم السفلي، وهو ما ينطبق على جبريل وميخائيل في سفر دانيال، وهو ما بلوره سف حانوخ الحبشي (20: 1 – 8)، هذه أسماء الملائكة الأخيار القائمون بالحراسة: أوريئيل أحد الملائكة الأخيار القائم على الأرض والعالم السفلي، رفائيل أحد الملائكة الأخيار القائم على أرواح البشر، رعوئيل أحد الملائكة الأخيار التي تنتقم من العالم النوراني، ساراقئيل: أحد الملائكة الأخيار القائم على الجانب أو النزعة الشريرة في النفس، جبريئيل أحد الملائكة الأخيار القائم على جنة عدن وعلى الحيات -السرافيم- وعلى الكروبيم، رميئيل أحد الملائكة الأخيار الذي وضعه الرب على المردة، فالملائكة الرؤساء كما عرضهم سفر حانوخ الحبشي السبعةن وكل رئيس منهم مكلف بأمر معين، فجبريل يقوم على جنة عدن وبرأس جندا أو ملائكة من درجة ادنى وهم الكروبيم والسرافيم.
وبتأثير مشترك من البابلية والفارسية أضيف إلى الملائكة "القدرة على الطيران"، وقد استمدتها من المخلوقات الجنية المجنحة البابلية، ومن الطبيعة النورانية، نظرًأ لانتمائها إلى العالم العلوي، أى النور في الديانات الفارسية القديمة.
فجاء جبريل طائرًا في سفر دانيال (9: 21)، ويصف سفر حانوخ السلافي (3: 1) الملائكة بأنهم يطيرون وذوات أجنحة.
ويتضح أن فكرة الملائكة قد تبلورت في أدب الرؤى نتيجة التغير الحاد في الواقع الاجتماعي لليهود ووجودهم في قلب الثقافة البابلية والفارسية، ثم نتيجة للظروف السياسية العصيبة التى مر بها اليهود بعد ذلك حكم الملك أنتيخوس أبيفانس، فجاءت الملائكة في سفر دانيال لتقوم بدور الوسيط وتفسر الرؤى وتبشر بنهاية الحكم اليوناني، ونظرًا لأن الملكين أى "جبريل" و"ميخائيل" من الرؤساء، أى من المرتبة العليا من الملائكة، فقد وردا باسميهما وبعد أن كانت الملائكة تأتي متنكرة في صورة إنسان أو صورة رجل أصبح من الممكن -بعد تطور العقلية اليهودية- أن تأتي بصورتها الملائكية أي "تأتي طائرة" كما في دانيال (9: 21).
ثمة سؤال يجب طرحه، لماذا اختار كاتب رؤى دانيال، اسم جبريل وميخائيل، من بين الملائكة السبعة الذين وردت أسمائهم في سفر حانوخ، فما هى دلالة تلك الأسماء؟
أولًا يُذكر في النص الآتي:"عندما رأيت أنا دانيال الرؤيا وطلبت أن أفهمها فإذا بهيئة رجل "כמראה גבר" واقف أمامي وسمعت صوت إنسان -في مكان- فنادى وقال يا جبريل "גבריאל" أفهمه الرؤيا".
فاسم جبريل مركب من גבר بمعنى رجل، و אל بمعنى إلهأو رب، أي أن الاسم يعنى رجل الرب، وأن جبريل جاء في هيئة رجل، لذلك لزم التنويه إلى أنه ليس إنسانًا ولكنه ملك مرسل من قبل الرب؛ لكي يقوم بمهمة إفهام دانيال تفسير الرؤيا التي رآها، فهو وإن كان في هيئة رجل، إلا أنه رجل الرب.
أما دلالة اسم ميخائيل، فلم يُذكر، ولكن ورد عنه في دانيال (10: 13)، أنه أحد رؤساء الأوائل وجاء لمساعدة "جبريل"، والمقصود بالرؤساء المقربون، وجاء في دانيال (10: 21)، على لسان جبريل:"لا أحد يقويني ضد هؤلائ -فارس ويونان- إلا ميخائيل رئيسكم -رئيس اليهود-"، وورد أيضًا عنه في دانيال (12: 1)، "إنه الرئيس العظيم القائم على بني شعبك..."، ولكن ماورد عنه حانوخ الحبشي (20: 5)، يشبع دلالة الاسم فهو أحد الملائكة الأخيار الذي يقوم بالتزكية وهو المعين على الأخيار من الناس ومن الشعوب، فاسم ميخائيل مركب من מִי بمعنى مَنْ، כָ بمعنى مثل، אֵל بمعنى رب، أى مَنْ مثل الرب، فاليهود يعتقدون أن الرب قد اختارهم واصطفاهم من بين كل الشعوب ليكونوا خاصته ويكون إلهًا لهم، ومِنْ ثَمَّ فقد عين عليهم مَلكًا خاصًا بالأخيار أو الصفوة من الناس ومن الشعوب، فكأن اليهود بهذا الاسم يباهون الأمم الآخرى بإلههمن فها هو "ميخائيل" ينول ليقوى جبريل ويساعده في حربه ضد الفرس واليونان، وهم الأغيار التسلطون على اليهود، وجاءت "رؤى دانيال" لتبشرهم بزوال مُلك تلك الأمم، وتَدخل الرب، عن طريق رُسله من الملائكة المختارين، للقيام بتلك المهمة، فالرب لا يرضيه ما يتعرض له صفوته -اليهود- من بطش من الملك اليوناني، وما هم عليه من انهزامية ويأس واكتئاب، لذلك اختار النص "ميخائيل" لدلالته اللفظية والوظيفية للقيام بهذه المهمة.
سنتوقف هنا هذه المرة، لنعرف معًا ما التطور الذي سيصل بهم في النهاية لجعل سدينا جبريل عدوًا لهم، لكم مني المزيد من الدعوات بالمعرفة والعلم.
المصادر المستخدمة:
القرآن الكريم.
صحيح مسلم، البخاري.
العهد القديم.
المشنا.
אנציקלופידיה העברית – "מלאך" – כרך "ה".
المراجع:
بحث "كيف أصبح جبريل عليه السلام عدوًا لليهود؟ "دراسة في توالد التفاسير والمرويات اليهودية. لدكتور ليلى أبو المجد (وهو نواة المقال).
حول تاريخ بني إسرائيل، م.ص.سيجل.
الفكر الديني الإسرائيلي، د. حسن ظاظا.
أبوكاريفا العهد القديم، لابراهيم سالم الطرزي.
הספרים החצונים، אברם.
تعليقات
إرسال تعليق