الملائكة في التفاسير اليهودية ג
كتب: منة الله عامر
توقفنا في المقال السابق عند سؤال مهم، كيف أصبح جبريل -عليه السلام- عدو لليهود؟، وسنكمل هذه المرة معرفة كيف حدث ذلك الأمر، ونجيب على عدة أسئلة آخرى.
فاشحذ حواسك معي، لنكمل ما بدأنا...
تناولنا في المقالين السابقين، صورة الملائكة بصفة عامة في العهد القديم، ثم على وجه الخصوص، صورة جبريل وميخائيل في العهد القديم والآدب الرؤوي، أما في هذا المقال سنجيب على بعض التساؤلات الخاصة عن الملائكة بصفة عامة أيضًا وجبريل بصفة خاصة ولكن من خلال المدراش والجمارا، وسنعرف ماهية كلًا منهما، فهيا بنا.
أولًا: المِدراشيم - מדרשים:
מדרש مصطلح يشمل الأقوال التي تجمع بين الفقه وبين المرويات التي تم استخلاصها من أسفار العهد القديم أو بالاعتماد عليها.
ويطلق اسم "مدراش" على مجموعة من كتب التفاسير التي تعرف بهذا الاسم وهى تنقسم إلى قسمين متميزين: מדרש הלכה أي تفسير الأحكام.
מדרש אגדה أي تجميع الروايات، ويندرج تحتها "مدراش رابا – أي التفسير الكبير"، و"مدراش تنحوما – أي تفسير تنحوما" (نسبة إلى المُفسر أو الربي تنحوما).
ثانيًا: الجمارا גמרא:
تشغل الجمارا حيزًا كبيرًا من صفحات التلمود البابلي، فصفحة التلمود الموجود بين أيدينا الآن، يأتي فيها نص المشنا في البداية مسبوقًا باختصار "מתני’" وهو اختصار كلمة מתניתין بالآرامية وهى بالعبرية משנתנו بمعنى تشريعنا، ثم يلي النص المشنا اختصار גמ’ وهو اختصار كلمة גמרא بالآرامية وتعنى التتمة أو التكملة، وعندما يرد هذا الاختصار فهو يشير إلى انتهاء نص المشنا وبداية المرويات أو التعاليم الشفهية.
والاسم الآرامي גרמא من الفعل גמר ولهذا الفعل دلالات عديدة:
1-أكمل. 2-أباد. 3-ختم. 4-اكتمل.
واشتقاق مصطلح "الجمارا" من هذا الفعل يحمل في طياته دلالتين:
الأولى: أن الجمارا تكملة لنص المشنا، أى أن "الأمورائيم" قد نظروا إلى نص المشنا على انه نص ناقص لذلك أخذوا على عاتقهم مهمة استكماله.(الأمورائيم هو لقب أطلق على من كتبوا نص المشنا).
الثانية: بما أن نص المشنا عبارة عن تشريعات فقط، بالإضافة إلى أنها موجزة جدًا، فقد رأى الأمورائيم أن ما ينقص نص المشنا هو شرح التشريع وتوضيحه، وذِكر كل المرويات التي قالها، السلف حول هذا التشريع من قريب أو بعيد.
أما عن مضمون الجمارا فالتعريف الشائع للجمارا أنها تتكون من شقين، هلاخا أي فقه، وهجادا أو أجادا، بمعنى المرويات، وكل ما ورد في الجمارا ولا تنطبق عليه صفى الفقه، فهو أجادا أو هاجدا.
فما هى دلالة مصطلح הגדה ومصطلح אגדה هل هما مصطلح واحد؟ هل هما مصطلحان مختلفان ثم تداخلت دلالتهما؟
أولًا: הגדה اسم مشتق من وزن הפעיל من الجذر נגד وجاء الفعل في الأدب التلمودي بالدلالات التالية: أوضح، أخبر، حكى، أثبت، أظهر.
وجاء الاسم المشتق منه הגדה بالدلالات التالية:
1-قص، إخبار، إدلاء بأقوال (شهادة).
2-وعظ ديني، تفسير ديني للجمهور، وكمقابل للهلاخا أى الفقه، (حجيجا 14\ أ، 3\أ).
3-يطلق مصطلح הגדה على حكاية عيد الفصح وهى من الطقوس التي تؤدي في المنزل، ويجب على رب الأسرة أن يقص "حكاية الفصح" على أفراد أسرته مساءً كل يوم من اليومين الأوليين من أيام عيد الفصح. (بساحيم 115\ب، 116\ب).
ثانيًا: אגדה اسم مشتق من الفعل אגד وقد دخل إلى العبرية من الآرامية وقد ورد هذا الفعل في الأدب التلمودي بالدلالات التالية:
1-ربط (شباط 60\أ)، لَفَ، ضَمَّ، مَنَعَ. (بساحيم 78\أ).
2-توسع في التفسير إلى أبعد الحدود، مَطَّ، طوَّل، أطال في البقاء.
وجاء الاسم المشتق منه אגדה أجادا بمعنى التفسير المطوَّل أو التفسير بتوسع (عيروفين 21\ب)، لذلك فقد أطلق على "المدراشيم" وهى كتب التفسير التي قامت على نص العهد القديم اسم אגדה أو אגדתא وهى تعني الأقوال أو الشروح التي تنسب "تنائيم" أو "أمورائيم"، والتي جمعت بعد ذلك في كتب التفسير مثل التفسير الكبير، "مدراش ربا"، أو تفسير "تنحوما".
كما يعني الاسم المشتق "أجادا – אגדה" القدرة على التفسير والتحليل.
ويتبين أن كُلًا من مصطلح "אגדה – أجادا"، و"הגדה -هاجادا"، إنهما مصطلحين مستقلين ثم التقت دلالتهما في أنهما عكس الهلاخا.
والهجادا: بمعنى القص أو الحكاية، وهى طريقة من طرق التفسير.
والهجادا: بمعنى الشرح أو التوضيح عن طريق الاستعانة بأجزاء من نص العهد القديمم، وهى طريقة من طرق التفسير أيضًا.
في أي يوم من أيام الخلق الستة خُلقت الملائكة؟
وردت الإجابة على هذا السؤال في التفسير الكبير لسفر التكوين، (برشيت رابا، الجزء الأول الفقرة الرابعة، وجاءت مرة أخرى في الجزء الثالث الفقرة الحادية عشر)، فالتفسير مقسم وفق نظام القراءة الأسبوعي للتوراة في فلسطين، ووردت نفس الإجابة مرة ثالثة في تفسير المزامير (ويسمى شوحير طوف) في تفسير المزمور 24، وتتفق التفاسير الثلاثة في الخطوط العامة، ولكنها تختلف في بعض التفاصيل (سنذكر بعضها في نهاية المقال).
إذا فمتى خُلقت الملائكة، قال الربي "يوحنان"، في اليوم الثاني خُلقت الملائكة فقد ورد في النص (مزامير 104\ 3) "المُسقف علاليه بالمياه إلى آخره"، قال رابي حنينا في اليوم الخامس خُلقت الملائكة فقد ورد في النص (التكوين 1\ 20) "وليطر طير على الأرض إلى آخره"، وورد في إشعياء (6\2) "واثنتين يطير".
قال الربي "لولياني برطفرين" نقلًا عن رابي اسحق، سواء ما ورد عن رابي حنينا أو ما ورد عن رابي يوحنان، فجميعهم يقرون أن الملائكة لم تخلق في اليوم الأول حتى لا يقال كان ميخائيل يجذب السماء من ناحي الجنوب، وجبريل من ناحية الشمال والقدوس تبارك يبسطها من الوسط، لكن في إشعياء(44\24) أنا الرب خالق الكل ناشز السموات وحدي باسط الأرض من لدني، وقد وردت "מיאתי" ومعناها من معي أي من شاركني في خلق العالم؟
فقد اختلف المفسرون في إجابتهم على هذا السؤال فالبعض قال في اليوم الثاني والبعض قال في اليوم الخامس، ومن قال في اليوم الثاني اعتمد على ما جاء ي سفر المزامير من إشارة إلى خلق السماء وجعل الماء سقفالها ثم أردف بالحديث عن خلق الملائكة، وبما أن سفر التكوين (1\6) ذكر أن الله فصل بين المياه في اليوم الثاني، إذًا الملائكة خُلقت في اليوم الثاني مع السماء.
أما من قال بأن الملائكة خلقت في اليوم الخامس فقد اعتمد على ما جاء في سفر التكوين (1\20)، وان الرب خلق الطير في اليوم الخامس، وبما أن سفر أشعيا (6\2) تحدث عن نوع من الملائكة (السرافيم) وذكر لها ستة أجنحة، وباثنتين تطير، إذا فالملائكة خُلقت في اليوم الخامس مع الطير.
والملائكة درجات فهناك رؤساء عليون وهم طائفة من الملائكة تحتل درجة عليا، وهى تسبح الرب ولا تفنى ومنهم جبريل وميخائيل، وطائفة أخرى من الملائكة يخلقها الرب يوميًا لتسبحه ثم تذهب إلى حال سبيلها وتُفنى، وهى تحتل درجة أدنى، وقد خُلقت الملائكة جميعًا من النار.
وظيفة الملائكة:
ليس من دورها ان تكون وسيط بين الرب والبشر، فعندما تمر ضائقة بإي شخص، يدعو باسم الرب مباشرة.
وأيضًا تقريب القرابين ليس من دور الملائكة، على حسب ماورد في سفر المزامير (89\7).
ما هى العلاقة الموجودة بين الملائكة والبشر؟
وردت الإجابة على هذا السؤال في التفسير الكبير لسفر التثنية (دفاريم رابا) الجزء الثاني، الفقرة 24:
عندما نزل القدوس تبارك إلى السيناء نزلت معه أيضًا جموع الملائكة، ميخائيل وجماعته، وجبريل وجماعته، فهناك أمم اختارت ميخائيل، وهناك من اختارت جبريل، لكن إسرائيل اختار القدوس تبارك، وقال: الرب نصيبي قالت نفسي، لذلك اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد.
فالعلاقة بين الملائكة والبشر كما جاءت في التفسير هى اختيار من جانب واحد، وهو جانب البشر، فمنهم من اختار جبريل، ومنهم من اختار ميخائيل.
إذا فهناك ملائكة مقربين، ومنهم الأقرب جبريل وميخائيل، عرفنا معًا، وظيفتهم ووما خُلقوا، وفي المقال القادم، سنعرف ما دلالة اسم ميخائيل وجبرئيل، وهل قيل في ميخائيل أكثر مما قيل في جبرئيل، وكيف أصبح عدو لليهود رُغم أن كل المرويات تؤكد أنه من أقرب وأهم الملائكة سواء في حكايات العهد القديم التي سنذكرمنها البعض، أو في الجمارا والمدراش.
أأمل بأن تكون المعلومات بسيطة ومفيدة وجديدة، وأفادتكم، لكم مني المزيد من الدعوات بالعلم والمعرفة.
المصادر:
العهد القديم.
المشنا.
المدراشيم.
المراجع:
بحث "كيف أصبح جبريل عليه السلام عدوًا لليهود؟ "دراسة في توالد التفاسير والمرويات اليهودية. لدكتور ليلى أبو المجد (وهو نواة المقال).
حول تاريخ بني إسرائيل، م.ص.سيجل.
الفكر الديني الإسرائيلي، د. حسن ظاظا.
تعليقات
إرسال تعليق