وضع الحجارة على القبر بين التقليد والقبالاه

كتب: منة الله عامر 

       تحدثنا عن الدفن في المعتقد اليهودي، في مجموعة الحلقات على اليوتيوب، سنتطرق اليوم لمعرفة لماذا يضع اليهود حجارة على شواهد القبور، فهيا بنا في رحلة اليوم... 

         يعدّ وضع الحجارة على شواهد القبور تقليدًا جديدًا نسبيًا، وعلى الرغم من أنه غير شائع لدى جميع الطوائف وحتى من بينها الحسيدية، غير إنها عادة أو تقليد قديم يرجع إلى القرون الوسطى. وقد تكون أقدم من ذلك. لكن لماذا توضع الحجارة على شواهد القبور؟ هناك أقوال عدّة في سبب وضع هذه الحجارة، ومن بينها ما يرجع إلى القبالاه وتوراة السرّ.

صورة من مقابر البساتين الخاصة باليهود في مصر، القاهرة، مصر 

           فوضع الحجارة على قبر الميت هو نوع من التوقير له؛ حيث بذلك سيعرف الآخرون أن هناك من يزور هذا الميت، وكلما كانت أعداد الحجارة كثيرة على قبر ما كلما عرف الأخرون أن صاحب هذا القبر له مكانة عند الناس وسيسألون عنه وربما يقررون هم أيضًا زيارته ووضع حجارة عليه..

                 كما أن الحجارة ترمز في فكر القبالاه إلى الأبدية، فلا تتأثر بصيف ولا شتاء ولا خريف ولا ربيع، وهو رمز أيضًا لكون الروح لا تفنى وهي أبدية الوجود بعد خلقها.

        ويمثل الحجر أيضًا بالنسبة للميت أنه ما عاد يقوم بعمل من الشريعة فلا يقيم سبتًا ولا صلاة ولا ترتيب شموع ولا غير ذلك من طقوس العبادة أو ما كان يتم بغرض التقرب الى الرب، وترمز الحجارة أيضًا إلى أن الميت أصبح كالحجر لا يتحرك ولا يشعر ولا يقوم بأي عمل والشيء الوحيد الذي يميز اليهودي الميت هو "يهوديته" ومقدار التزامه بوصاياها حال حياته.

قبر أخر موضوع عليه حجارة، البساتين، مصر

       ولسبب غير معلوم جاء بالتلمود أن قراءة كتابات شواهد القبور من شأنها إلحاق الضرر بتعلّم التوراة عند من يفعل ذلك! على الرغم من أن القبالين (المنتسبون لفكر القبالاه/الغيبيات) يرون أن ذلك ممكن الحدوث حين تكون الكتابات على الشواهد بارزة وغير محفورة. يذكر الراب "يوسف يوزفا هان" طبقًا له يكون وضع حجارة على القبور تمنع أي نتيجة غير مرغوبة تترتب على قراءة ما على تلك الشواهد.

            كما عُدّ وضع حجارة على القبور بمثابة دعوة لروح الميت بالنزول من عالمها السماوي والحلول بالمكان فوق القبر وعدم المغادرة قبل انصراف الزائر ولا توضع الزهور.

صورة بانورامية من مقابر البساتين الخاصة باليهود في مصر


             وضع الحجارة على القبور هو تقليد يهودي قديم أما وضع الزهور فليس من العرف اليهودي. وتعليل ذلك أن الإنسان يستمتع بجمال البيئة والطبيعة ومظاهرها المجسّمة أمام عينيه حوله أما بعد موته فهو يترك كل ذلك وتصبح أشياء بلا معنى بالنسبة له. وتبقى فقط لدى الميت ما تركه من معنويات روحية فهذه تبقى إلى الأبد، والحجارة رمز للأبدية في هذه الحالة (ربما يقصد بذلك أعمال الميت الطيبة لا غير هى الباقية) أما الزهور فستذبل. بالإضافة إلى أن وضع الزهور على القبر هو عادة لدى الجوييم (غير اليهود).

ورد في المشنا (عديوت 5 :6) أن من يموت بحكم محكمة كان الحاخامات يضعون حجرًا على تابوته، لكن هناك من يستنكر هذا الرأي تمامًا، ويرى آخرون أن وضع الحجارة على القبور هو حديث نسبيًا وحل محل وضع أعشاب وأوراق أشجار..

           وتشيع عادة وضع الحجارة لدى اليهود الاشكنازيم/الغربيين عن غيرهم. وجير بالذكر ان هذه الحجارة توضع على القبر قبل مغادرته بعد الزيارة.

          جاء في كتاب "أبواب الضياء" للراب رأوبين مرجليوث، الذي يورد دليلًا على عادة وضع الحجارة على قبور الموتى من مدراش تنائيم؛ يحكي أن: أحد تلاميذ الراب شمعون بار يوحاي كان قد نسي تلموده (المقصود ما تعلّمه من العلوم الشرعية)! ذهب إلى المقابر وبكى كثيرًا وصلى وطلب رحمة الرب، ولما تعِب من البكاء ظهر له (تعليمه) في حلم وقال له: حين تلقي علىّ ثلاثة حجارة، وقد تعني أصوات! آتي إليك. ذهب هذا التلميذ إلى مفسِّر أحلام وحكي له الحكاية لكي يحلّ له لغزه. قال له: راجع دروسك بصوت مرتفع ثلاث مرات وهى تثبت في ذاكرتك، ففعل التلميذ كما قال له مفسر الأحلام وحدث ما قاله المفسر فعلا (عادت له ذاكرته وأصبح يتذكر دروسه).



وجاء في أسباب وضع الحجارة على القبر

        أنه وسيلة لإخفاء جزء من النصّ المكتوب على الشاهد اعتقادًا أن من يقرأ كل النصّ قد يصاب بأذى، ووفقًا لهذا الرأي فإن الحجارة يجب أن توضع على القبر بمجرد وصول الزائر وتزال عند نهاية الزيارة.

وشاع مؤخرًا – في إسرائيل – استبدال الحجارة بحبوب القمح فيوضع مقدار من الحبوب بغية إطعام الطيور بالمكان ويعلل ذلك بأنه في جزاء الميت بدلا من الحجارة التي لا تنفع، وهى عادة مستحدثة أو بدعة لم ترد في المصادر اليهودية.

      وكان اليهود يستخدمون أحيانًا في بعض البلدان حجارة كريمة لوضعها على قبور موتاهم وربما هذه العادة هي ما دفع بعض اللصوص إلى نبش قبور اليهود بغرض الحصول على هذه الحجارة الثمينة.

   ومن العادات الشائعة أيضًا، امساك الحجارة في اليد اليسرى، والدخول إلى المقابر من باب والخروج من باب آخر.  


المراجع:

مدونة د. سامي الإمام

تعليقات

المشاركات الشائعة