كسر كأس النبيذ وطقس الزواج اليهودي (عسى أن تبنوا بيتًا مؤمنًا في -إسرائيل-)

 كتب: منة الله عامر 

          لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته فيصيران جسدًا واحدًا[1]، من تلك الفقرة أتي التشريع بالزواج، وقدسيته، فالديانة اليهودية لا تؤيد ممارسة العزوبية ولا تشجعها، فقد خلق الرب الرجل ثم المرأة؛ لكيلا يكون الرجل وحيدًا، فيعتبر الزواج بين اليهود حدثًا هامًا في حياتهم سواء من يعيشون في -إسرائيل- أو خارجها، "بيت جديد يبنى في إسرائيل بالمعنى الفعلي والرمزي-. 



      جاء في سفر التكوين (9 : 7) وصية للحث على الزواج وإنجاب الأولاد، والتكاثر، وهى وصية توراتية مستمرّة ومتواصلة طالما كان الرجل قادر على الزواج، وهى وصيِّة من الحكماء أيضًا، ويجب على الرجل إنجاب الأبناء مادامت لديه القوّة والكفاءة اللازمة لذلك(مشنيه توراة، للرامبام، كتاب النساء، أحكام الأحوال الشخصيَّة، فصل 15، فقرة 16).

        يستطرد الحكماء في ضرورة اتباع وصية الإنجاب والتكاثر إلى درجة جعل من لم يهتم بالوصية وينفذها مثل: سافك الدماء، والمجابه لخلق الله أناسًا على صورته كما تقول التوراة (التكوين 1: 26 – 27). ويأتي الأمر بالحرص على إنجاب الأولاد والإكثار منهم مبيحًا أمورًا تحظرها الشريعة كعدم بيع كتاب التوراة إلا إذا كان بغرض الزواج وإنجاب الأولاد أو التعلّم، ويعدّها بعض الحكماء أهم وصيّة على الإطلاق إذ بدون البشر لن يكون هناك عالم، ولا توراة؛ لأن التوراة أعطيت للبشر وليس للملائكة.

عسى أن تبنوا بيتًا مؤمنًا في إسرائيل

      من التهاني للعريس والعروس، هو "عسى أن تبنوا بيتًا مؤمنًا في إسرائيل"، وتشير كلمة -إسرائيل- إلى -الشعب والدولة- فهذا الاسم يشير إلى الشعب كهوية قومية وروحية واحدة، وهى دعوة لتذكير بأهمية الزواج وانجاب الأبناء وتربيتهم في بيت يهودي ليعمروا -إسرائيل- أرض الميعاد وينفذوا الوصية الإلهية التي ذُكرت في التوراة.

       داخل دولة -إسرائيل- المعترف به هو الزواج والطلاق الديني فقط، إلا إذا تم الزواج خارج الدولة؛ لذلك بعض الأزواج العلمانيين يسافرون إلى قبرص بهدف الزواج، في بعض الحالات يتم زواج العلمانيين على يد حاخام ليبرالي إصلاحي ولكن لا يتم الاعتراف به من قبل المؤسسة الحاخامية الرسمية في الدولة.

        واحتكار الحاخامات  للزواج في -إسرائيل- هو أحد القضايا المثيرة للجدل في المجتمع الإسرائيلي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العلاقة بين الدين والدولة، فالأزواج من خلفيات دينية مختلفة يواجهون صعوبات في الزواج في إطار  قوانين الدولة؛ حيث لا يستطيع اليهودي في -إسرائيل- أن يتزوج من غير يهودية، حسب الشريعة اليهودية، فبعض الفئات أيضًا مثل: الكاهن ممنوع من الطلاق، ومع موجة الهجرة من الاتحاد السوفييتي السابق منذ عام 1989، ارتفع عدد اليهود الذين لا يستطيعون الزواج حسب قوانين الشريعة اليهودية (لأنها تمنع الزواج من غير اليهود؛ لذلك ظهرت فكرة الزواج على يد حاخام ليبرالي، الزواج الليبرالي يكون مشابها لطقس الزواج التقليدي، أما الفروق فتكون بشكل أساسي في ترتيب بعض العناصر وتعزيز مشاركة النساء في الطقس.



المواعيد التي لا يسمح فيها بالزواج خلال العام

     هنالك عدة مواعيد في السنة التي لا يمكن عقد الزواج فيها، مثل: عيد الفصح (פסח) وعيد الأسابيع (שבעות)، وفي الفترة التي تعرف باسم " بعَد العومر" ويوافق الثامن من مايو، فلا يجوز عقد القران في تلك الفترة؛ حيث أن الأشكناز لا يعقدون القران خلال فترة الأسابيع الثلاثة بأكملها أي فترة ما بين العيدين الفصح والأسابيع، بينما عند السفارديم فيمتد حدادهم لتسعة أيام من غرة شهر آب العبري.

مظاهر الاحتفال بالعُرس عند اليهود

حسب التقاليد الاشكنازية، السبت الذي يسبق حفل الزواج يسمى “שבת חתן וקלה" (سبت العريس والعروس)، لكن بسبب وجود عادة تقضي بأن لا يرى العروس والعريس الواحد الأخر لمدة أسبوع قبل الزواج، فان هذا الاحتفال يقام بشكل منفصل، يتم استدعاء العريس لقراءة التوراة في المعبد في هذا السبت بينما يلقي بعض أفراد العائلة الحلويات عليه.

 أما التقاليد السفاردية مختلفة تمامًا بالذات إذا كانت عائلة العروس من أصول يمنية أو شمال إفريقية؛ حيث يتم في الطقس تزيّن العروس وتُغطى بالحناء حماية من عيون الحاسدين أثناء تجهيزها للزفاف، والسبت الذي يسبق الزواج يسمى عند السفارد"שבת הבנות" (سبت البنات)، ومعظم حفلات الزواج اليهودية تتم عادة بعد الظهر بالضبط أو بعد هبوط الليل.

      أصول الزواج اليهودي تكمن في المشنا[2]؛ حيث تقول التوراة أنه يمكن الحصول على الزوجةعن طريق: المال، ومن خلال وثيقة مكتوبة، وذلك عن طريق منح العريس للعروس خاتمًا ويقول لها: "بهذا الخاتم أنتِ لي بحسب تعاليم موسى وإسرائيل" وذلك بحضور شاهدين، شرعيًّا يكونا الشاهدان، وهما عادة أصدقاء الزوج أو عائلتيهما، ضروريان لشرعية الزواج أكثر من الحاخام أو الوثيقة المكتوبة "הכתובה" أي (عقد الزواج)، ويقول العريس العبارة السابقة بصوت جهور خلال طقس باللغة الآرامية ويترجم إلى العبرية وأحيانا يصاغ بطريقة موجزة باللغتين، توضح الكِتوفاه مسؤولية، العريس تجاه العروس كما تحميها في حال تم إنهاء الزواج، أما العنصر الجنسي في الزواج فيمثل من خلال أن الزوجان يبقيان معًا لوحدهما برهة من الزمن في غرفة ما بعيدًا عن الضيوف وذلك بعد انتهاء الطقس الرسمي، يتم الطقس تحت ظلة الزواج التي تسمى "חובה" وترمز للبيت الجديد الذي سيبنيه الزوجان معًا.

أحد أشكال الحوفا "المظلة التي يجلس تحتها الزوجان لأول مرة بمفردهما"


     في الكثير من طقوس الزواج التقليدية هنالك عادة تسبق موكب ظلة الزواج وتسمى أحيانًا بلغة اليدييش[3] "بيديكن" وتعني حرفيًّا التغطية بالطرحة، ظهرت هذه العادة لمنع نوع من الخداع الذي مارسه "لابان" بحق "يعقوب"[4] ، في هذا الطقس يقوم العريس بالنظر إلى وجه العروس ومن ثم يغطيها بالطرحة، في هذا الطقس يردد العريس أو الحاخام البركات التي منحت لرفقة[5] "أنت أختنا، صيري ألوف ربوات، وليرث نسلك باب مبغضيه".

         في يوم العُرس يُغفر للعريس والعروس، جميع ذنوبهما؛ لأنهما سيبدئان حياة جديدة معًا، وهناك الكثير من الآراء التي تقارن بين يوم الزفاف ويوم الغفران "وهو عيد التكفير عن الذنوب"؛ وذلك لأن العريس والعروس يصومان قبل حفل الزفاف كما يحدث في عيد الغفران، ويأكلان معًا لأول مرة كزوج وزوجة تحت الظلة التي تسمى "حوبا".

      عندما تصل العروس الى الظلة من المعتاد أن تقوم بالدوران حول العريس من دورتين حتى ثلاث عشرة دورة، في العادات الأكثر انتشارا يكون عدد الدورات ثلاث أو سبع، ومصدر هذه العادة هو سفر إرميا الاصحاح 31، الفقرة 22 "إِلَى مَتَى تَظَلِّينَ هَائِمَةً عَلَى وَجْهِكِ أَيَّتُهَا الابْنَةُ الْغَادِرَةُ؟ قَدْ خَلَقَ الرَّبُّ شَيْئاً جَدِيداً فِي الأَرْضِ: أُنْثَى تَحْمِي رَجُلاً"، بعض مفسري هذه العادة يقولون إن المرأة ترسم بشكل رمزي دائرة حماية حول من سيصبح زوجها، كما سبق ولاحظنا الرقم سبعة هو رقم مقدس بشكل خاص ويلعب دورًا بارزًا أيضًا في طقس الزواج ابتداء بحقيقة أن الجملة "عندما يأخذ الرجل زوجة له" تظهر في التوراة باللغة العبرية سبع مرات،

     أكثر الرموز بروزًا تحت الظلة هي كأس النبيذ التي يعقد الطقس حولها وتتلى عليها البركات المختلفة، بعد ترنيم البركات السبع تحت الظلة يشرب العريس والعروس نبيذًا ومن ثم يقوم العريس بكسر الكأس (يدوسها بقدمه)، وتنبع هذه العادة من حقيقة أن طقس الزواج يرتبط بالحلم -القومي اليهودي- بالعودة الى صهيون لمستقبل أفضل كما تشير البركات السبع، فنجد في البركتان الرابعة والسادسة[6]، المعنى الأساسي لكسر الكأس في الزواج اليهودي في كل مكان في العالم هو تذكّر دمار القدس قبل آلاف السنين. في بعض حفلات الزواج يسبق كسر الكأس تلاوة أو ترنيم بعض الفقرات من المزمور 137: "إن نسيتك يا أورشليم تنسني يميني. ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي"، وبما أن الزواج يعتبر فرحة بين اليهود؛ فإن كسر الكأس هو بمثابة تنفيذ لوعد التذكر هذا.

يتلو مدير الحفل – عادة يكون الحاخام الذي تم اختياره من قبل العريسين  أو عائلتيهما- بركات الخطبة ونصها “مبارك أنت، يا الله، الهنا يا من قدس شعبك شعب اسرائيل من خلال ظلة الزواج ورباط الزواج المقدس”. يشرب العريس والعروس النبيذ ومن ثم يقدم العريس الخاتم، ويقول بعض المفسرين أن كسر الكأس مهم للغاية ففي لحظة الفرحة هذه يُذكروا أنفسهم بإن هناك الكثير من المعاناة في العالم، وان بناء عائلة ملتزمة قد تكون حصنًا لهم في وجه الألم والمعاناة.

الزواج اليهودي وفقًا للقانون الإسرائيلي נשואין יהודי לפי החוק הישראלי

           يقضي نظام الحاخامية الأرثوذكسية[7]، بأن كل من قرر الزواج عليه القيد في الحاخامية، وتأتي هذه الخطوة كنوع من التوثيق المهم بالنسبة لكثير من الأزواج الذين غالبًا ما تكون هذه هى المرة الأولى التي يتعاملون فيها مع هيئة دينية، ويمكن عن طريق تقديم بيانات بسيطة عبر الهاتف استيفاء البيانات الأولية عن مقر الإقامة وبذلك تسهل إجراءات الحاخامية، ويقضي القانون الإسرائيلي بأن تمام سنّ السابعة عشرة هو سنّ الزواج، سواء بالنسبة للشاب أو الفتاة، وضرورة الحصول على تصريح زواج من المحكمة الجزئية بالسماح بالزواج؛ حيث يجب فتح ملف للزواج قبل الموعد المحدد للزواج بمدة تتراوح بين ثلاثة شهور وشهر ونصف الشهر في مكتب الحاخامية الإقليمي. ويكون هذا الملف ساريًا لمدة ثلاثة شهور فقط يلغى بعدها مباشرة.

         على العريس والعروس الذهاب سويًا لفتح ملف الزواج، ولا يسمح إلا في حالات استثنائية ونادرة وبموافقة الحاخامية بعمل توكيل لأحد أقارب العريس أو العروس بفتح ملف الزواج واستيفاء المستندات المطلوبة لذلك، وفي هذه الحالة لابد من توجه الزوج الموكل عنه منفردًا للتوقيع على المستندات المطلوبة ويسمح للشهود بمرافقة الزوج أو الذهاب بمفردهم فيما بعد فتح الملف، ويكتفى بأحد الزوجين لاستكمال الأوراق المطلوبة واستلام العقد، عند التسجيل تقدم مستندات أصلية للاطلاع عليها واستنساخها، وتظل البيانات المقدمة سرية ومحافظ عليها ويجب تحديد موعد الزواج على حسب توقيتات إسرائيل وتواريخها، يتطلب التسجيل وفتح الملف حمل بطاقة هوية حديثة التاريخ، وأحيانًا شهادة ميلاد، وثلاث صور جواز سفر لكل فرد، وكذلك وثيقة زواج أو عقد المستحقات لكل من والدي العريس والعروس، إلا إذا كان مكتب فتح الملف هو المكتب الذي تم فيه توثيق زواج الآباء، وفي بعض الحالات تكون هناك ضرورة لمرافقة أحد الوالدين لفاتح الملف، ومن الضروري تقديم مستندات التهويد الصادرة من إسرائيل.



[1] سفر التكوين، (2: 24).

[2] المشنا الكتاب اليهودي الثاني المقدس بعد العهد القديم، وهو مكون من التلمود والجمارا، وهو تفسير الحاخامات اليهود للعهد القديم في العصر الوسيط.

[3] اليدييش: هي لغة اخترعها اليهود وهي مزيج من العبرية والألمانية والبولندية، واستخدموها في حارات الجيتو اليهودية في أوروبا.

[4]  سفر التكوين الإصحاح 29 الفقرات 18- 26

[5] سفر التكوين الاصحاح 24: الفقرة 60

[6] بهجة وجذلًا تفرح العاقر بتجميع أبنائها داخلها بالفرح، تبارك الله ربنا مفرح صهيون بأبنائها

تبارك الله ربنا ملك العالم الذي خلق البهجة والفرح، والعريس والعروس، والسرور والحبور، الانشراح والجذل، المحبة والإخاء، والسلام والصداقة، قريبا يا الله يا ربنا، نسمع في مدن يهودا وشوارع القدس أصوات البهجة والفرح وصوت عريس وصوت عروس، صوت بهجة العرسان من ظلّاتهم والشباب من شربهم وعزفهم، تبارك الله ربنا مفرّح العريس والعروس

[7] هي اليهودية الربانية التقليدية التي تنتهج أصول الديانة اليهودية حسب مفاهيمها لدى كبار الحاخامات عبر الأجيال، على عكس اليهودية الإصلاحية التي يؤمن متبعوها بملائمة اليهودية مع الإصلاحات الحديثة وهى تختلف مع سابقتها خاصة في موضوع: من هو اليهودي؟


المصادر والمراجع: 

أولًا: المصادر

العهد القديم.

المشنا.

كتاب الرمبام، الأحوال الشخصية. 

ثانيًا: المراجع 

كتاب الفكر العقدي اليهودي، د.سامي الإمام، رحمه الله.

ومدونة دكتور سامي الإمام، رحمه الله. 




تعليقات

المشاركات الشائعة