مجموعة صامتة تعاني من أهوال الحرب


(ترجمة لبعض ما ورد على ما تعانيه الحيوانات في أحداث الحرب على غزة)

ظل حدث دخول "يشوع بن نون" ببني إسرائيل أرض كنعان -فلسطين حاليًا-، الحدث الراسخ في عقول قادة الصهيونية، فما فعله يشوع بن نون أثناء دخوله أرض كنعان كان ولا زال هو نهج قوات الاحتلال الصهيونية، في حروبهم على الفلسطينيين، "وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.... وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ". سفر يشوع (6: 21 – 23).

فهكذا لم تسلم حتى الحيوانات في قطاع غزة من نيران الحرب، فدعت منظمة "بيتا" الأمم المتحدة إلى إضافة إمدادات إغاثة للحيوانات إلى الشحنات التي تدخل غزة، ورغم ما يحدث من دمار وإبادة للبشر، فالعديد من المنظمات الخيرية تحاول توفير الملاذ لحيوانات غزة التي أصيبت جسديًا وعقليًا؛ بسبب الهجمات الإسرائيلية على القطاع، وعلى رأسهم منظمة "سولالا" لإنقاذ الحيوانات، وهي الملجأ الوحيد للحيوانات في قطاع غزة.

الصورة من أحداث الحرب على غزة


مجموعة صامتة تعاني من أهوال الحرب

"تواجه الحيوانات في غزة، بما في ذلك القطط والكلاب والحمير والخيول والطيور، وضعًا مزريًا؛ بسبب القيود المفروضة على دخول الأغذية الحيوانية إلى قطاع غزة"، بحسب منظمة "سولالا لإنقاذ الحيوانات"[1]، وجهت رسالة إلى الزعماء السياسيين من الدول الغربية؛ "أن الغذاء الحيواني ينفد، وندرة الإمدادات تسبب معاناة هائلة، خاصة بين الخيول والحمير العاملة التي - بسبب عدم السماح بدخول الوقود - أصبحت الآن وسيلة النقل الوحيدة، وقالت المنظمة: "دون أن يمتلك أصحابها الوسائل اللازمة لإطعامهم بشكل صحيح".

وأضافت منظمة Sulala Animal Rescue أن إسرائيل "لم توافق بعد على دخول الإمدادات الحيوية لهذه الكائنات البريئة"، وهي تناشد أتباعها المساعدة في إدخال الغذاء الحيواني إلى غزة، وفق ما ورد في موقع The animal reader.

حكى مُزارع يقيم في مخيم اللاجئين برفح جنوب قطاع غزة، إنه ترك كل الحيوانات خلفه، في دير البلح وسط غزة، ونزح، بينما قال المزارع حسن أبو شماس، إنه بعد تعليمات الجيش الإسرائيلي بالانتقال إلى الجنوب، فروا إلى منطقة المساوي في رفح مع عدد قليل من الحمير، تاركين وراءهم معظم حيواناته.

في هذا الصدد يحكي أحد المزارعين: "قَصفُنَا الجيش الإسرائيلي بالطائرات والمدفعية، وكما ترون، هربنا مع الأطفال والنساء والحيوانات، ولا يمكننا توفير الطعام لأنفسنا أو لهم".

وأما الحيوانات التي تُركت خلفهم، لا أحد يعتني بهم، فبقوا في الحظائر والساحات، وأضاف أنهم لا يستطيعون الأكل أو الشرب؛ لأنه لم يبق أحد في المنطقة مع إطلاق المدفعية والصواريخ"، "لا أحد يطعمهم وليس لديهم طعام"، قال أبو شماس: "لم نتمكن من حملهم أو السفر بهم، فالقصف في كل مكان".

على صعيد أخر يرعى ملجأ ومنظمة "سولالا" أكثر من 400 كلبًا و130 قطة داخل الملجأ، وعدد لا يحصى من الكلاب الأخرى في الشوارع، ويظهر دوره الفعال في حالات الحرب، فإن الصور المروعة للدخان الناتج عن القصف، إلى جانب صوت الانفجارات التي تصم الآذان، كلها حدثت ومازالت تحدث بالقرب من الملجأ، مما أدى إلى تفاقم حالات الهلع والرعب عند الحيوانات.

صرحت المنظمة "سولالا" إنه عندما صدرت تعليمات لسكان غزة بإخلاء المناطق السكنية، والذي يبلغ عددهم نحو مليون شخص في يوم واحد، وقتها سارع فريق الملجأ بشجاعة وحرص، على التأكد من وصول الحيوانات الأليفة وأصحابها إلى بر الأمان، بغض النظر عن التهديدات التي تلوح في الأفق، وظل رجال الإنقاذ صامدين وملتزمون بمهمتهم، لحماية الحيوانات من العواقب المدمرة للحرب.

أما عن بِنية الملجأ، على عكس الفكرة الغربية للمساحة المغلقة، فهو عبارة عن أرض مفتوحة تتجول فيها الحيوانات بحرية في منطقة رملية، فيمتد الملجأ على مساحة خمسة أفدنة تقريبًا، ويوفر الحرية والملاذ الآمن للحيوانات، لكن الحرب المستمرة تطرح العديد من التحديات، فتركت التفجيرات الكلاب مرعوبة، مما دفعها إلى كسر السياج للتجول في نطاق أوسع، لكيلا يشعروا بأنهم محصورون وبالتالي يقل خوفهم.

تُكمل المنظمة حديثها والذي سرد تفصيلًا على موقع "Rockynaka"، بأن العمال في الملجأ يخاطرون بحياتهم؛ لضمان سلامة الحيوانات، وفي سلسلة من التحديات، شارك الملجأ تحدياته اليومية والتدابير المتخذة لحماية الحيوانات، وفي التاسع من أكتوبر، قاموا بنقل الكلاب ذوي الإعاقة، إلى مكان أكثر أمانًا، فهذه الكلاب الضعيفة بسبب ظروفها، ولن تتمكن من البقاء في الشوارع، وعلى الرغم من الحرب والأصوات المرعبة في الشوارع، إلا أن العديد من الكلاب لجأوا إلى الملجأ.

أكثر المواقف التي مرت خلال الحرب المشتعلة حاليًا هو ما قاله أحد مقدمي الرعاية "سعيد"، الذي تمكن من إخلاء نفسه وعائلته وجميع القطط البالغ عددها 120 قطة إلى مكان أكثر أمانًا في "النصيرات"، ووسط المنظر المؤلم لآلاف الأشخاص الذين ينزحون جنوبًا مع أمتعتهم، أكد "سعيد" على أهمية إيصال أصوات الحيوانات الصامتة ومعاناتهم.

مع ذلك، فإن التحديات مستمرة في التصاعد، فمع انقطاع الكهرباء والمياه والإنترنت، يبدو الملجأ معزولاً عن العالم، والإمدادات الأساسية مثل: الغذاء والماء نادرة جدًا، ويحاول فريق الملجأ أن يوفر لهم الغذاء اللازم للحياة.

"أطعمهم قبل أن أطعم نفسي"

وسط ضحايا الإبادة والدمار الناجم عن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وبينما يستخدم الفلسطينيون في كثير من الأحيان أيديهم العارية للحفر في أنقاض المباني المدمرة للوصول إلى أحبائهم، يتم بذل نفس الجهد لإنقاذ أصدقائهم ذوي الفراء مثل: العديد من القطط التي تعتبر غزة موطنًا لها.

فيعرض لنا موقع Palestine chronicle فهناك العديد من مقاطع الفيديو لأطفال يحملون قططهم، وبعضهم تم إنقاذه من تحت الأنقاض، أو آخرين تمكنوا من اصطحابهم معهم عندما فروا من منازلهم، على الرغم من ندرة الطعام في غزة، إلا أنه يتم دائمًا الاحتفاظ ببعضه جانبًا للحيوانات الأليفة.

في مقطع فيديو تم نشره شوهد المصور الصحفي منتصر الصواف وهو يطعم القطط المحلية وسط الأنقاض، يتساءل الصبي الصغير محمد ناصر وهو يحتضن قطته لولو بين ذراعيه، ما الفرق بينها وبين الإنسان؟" ويوضح قائلاً: "إن لها روحًا"، "لديها مشاعر، إذا لم يكن لديها ماء". وفي فيديو آخر، تظهر الطفلة سارة تميمي، ثلاثة عشر عامًا، وهي تمسد قطتها، وتقول: "سمسم كائن حي مثلنا، يمر بمعاناتنا أيضًا، لديه مخاوف مثلنا".

وفي مقطع فيديو آخر، يظهر سكان غزة وهم يقدمون الرعاية الطبية لكلب أصيب بشظايا غارة جوية إسرائيلية.

ويظهر مقطع فيديو آخر طفلًا صغيرًا يحمل قطته، وهو يقول: "العالم كله يخاف من الحرب، حتى القطط"، وقال إنهم عثروا على القطة مختبئة في أماكن "لا نعرف عنها، لكن هذه القطة كشفت عنها" – "أطعمهم قبل أن أطعم نفسي".

بينما حكت امرأة مسنة للجزيرة في مقطع فيديو آخر كيف خاطرت بحياتها للعودة إلى منزلها بعد القصف لإنقاذ طيورها وسلاحفها، "تعرضنا للقصف في منتصف الليل، فأخذت ابنتي وطفلها وهربت"، وأثناء هروبها، تذكرت طيورها، وتقول: "عدت وأحضرتهم"، حتى عندما سقطت قنبلة ثانية، "كما أحمي نفسي، أحميها، لأنها أرواح أيضًا، وأخاف عليها."

 

 

ابتكارات الملجأ في غزة لرعاية الحيوانات الأليفة وحالات الزعر

تعد غزة موطنًا لآلاف الأنواع من الحيوانات سواءً الحيوانات الأليفة أو الماشية أو الحيوانات البرية، يحكي لنا سعيد العر على موقع Palestine chronicle هو نائب مدير ملجأ الحيوانات التابع لمؤسسة صلالة والذي تأسس عام 2016م، ويبلغ عدد الكلاب في الملجأ 450 كلبًا، يتلقى العشرات منها العلاج حاليًا، لديهم العديد من الحيوانات التي أصيبت بالشلل وبعضهم بترت أطرافه، تتطلب قدرًا كبيرًا من الرعاية في الملجأ.

قال: "استقبلنا عدة حالات من مناطق وسط وشمال غزة، حيث كان الوضع صعبا للغاية، وقمنا بإنقاذ أكثر من 15 كلبًا وقطة خلال الحرب، تعرضت حياتهم للخطر أثناء الحرب لحماية الحيوانات، وشعرت الكلاب في الملجأ بالرعب بعد سماعها دوي انفجارات أثناء الحرب، عند عودتها، اكتشفنا أن الكلاب أصيبت بصدمة شديدة لدرجة أنها أصبحت الآن خائفة من أي ضجيج - بما في ذلك فتح الباب-، الخوف جعل الكلاب تعوي بشكل هستيري".

تؤثر الحرب على سلوك الحيوانات، فتسبب اضطرابات نفسية وخوف، ومن الممكن أن تدخل بعض الحيوانات في حالة من الاكتئاب، أما وضع الخيول فمختلف فالخيول حيوانات حساسة للغاية وتخاف من أي ضجيج، غالبية الوفيات بين الخيول لم تكن بسبب القصف، بل حدثت بسبب الخوف، والحل الوحيد لعلاجهم هو تحفيز سلوكهم وتغيير الجو من حولهم وتنشيطهم بمنشطات تغير عاطفتهم.

عرض موقع منظمة "Network for animals" أن ملجأ "سولالا" يعتني حاليًا بعدد كبير من الحيوانات ذواتي الإعاقة، فيوجد أكثر من 20 كلبًا بلا أرجل (والعدد في ازدياد)، والعديد منهم مصابون بالشلل، و20 قطة إما مشلولة أو مبتورة.

لكن إعاقتهم لا تمثل عجزًا لهم، وذلك بفضل موظفي الملجأ الذين يصنعون الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية من ألعاب الأطفال، ونظرًا لندرة المراكز الطبية المتخصصة للحيوانات في غزة ومحدودية مراكز الأطراف الاصطناعية في المنطقة، فإن الحلول المبتكرة التي تقدمها جمعية سولالا لإنقاذ الحيوانات تؤكد على الذكاء والابداع في الأوقات الصعبة.

السردية الإسرائيلية لحماية الحيوانات من نيران الحرب

يظهر في مقطع فيديو نشرته حماس، حيوان مُلقى على الأرض، ومعدات التصوير مربوطة به، وبحسب ما ورد فالكلب جزءًا من مجموعة من الجنود تم استدراجهم إلى النفق وقتلهم.

بينما تحاول الصحف الإسرائيلية أن تُحسن من صورتها، فتصور الجنود الإسرائيليين وهم يطعمون الحيوانات في غزة، فحسب ما ورد في Let the Animals Live (LTAL) ، فعلى مدار الساعة تقوم المنظمة على توزيع طعام الحيوانات الأليفة وإجلاء الحيوانات من بعض المناطق الأكثر خطورة، يقتصر الوصول إلى المناطق الأكثر تضررًا حاليًا على الجيش، ويساعد الجيش أيضًا في إنقاذ الحيوانات المحاصرة والمصابة في مناطق النزاع وتسليمها حتى يمكن إجلاؤها إلى ملجأ LTAL الآمن في "كفار روث"، وسط إسرائيل.

بينما أتى مشهد الأسيرة المحررة من قبل قوات حماس، "ميا ليمبرغ" بشكل مثير للاهتمام؛ فشوهدت محاطة بمقاتلين حماس بينما تمسك بكلبها الأليف، "بيلا"، عندما تم تسليمها للإفراج عنها في نوفمبر، فكما قدمت "بيلا" الدعم المعنوي لها أثناء أسرها، كذلك الحال بالنسبة للحيوانات التي علقت في هذا الصراع، للعديد من أطفال غزة الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة في ظل الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة.

حدائق الحيوانات في غزة والمنظمات العالمية

في عامي 2014 و 2016  تم إغلاق حديقتين للحيوانات بسبب الحرب، بعد أن نُقل ما بهم من حيوانات إلى حدائق في الأردن، فاستطاعت منظمة "Four Paws" نقل 47 حيوانًا من حديقة الحيوان إلى خارج قطاع غزة، وتنوعت الحيوانات، فضمت: خمسة أسود، وضبع، والعديد من القرود، والذئاب، والثعالب، والقطط، والكلاب، والإيمو، والنعام، والسناجب، من حديقة حيوان مهملة في رفح جنوب قطاع غزة إلى محميات برية أردنية، وكان من المقرر أن تتم مهمة الإنقاذ في نهاية شهر مارس ولكن تم تأجيلها؛ بسبب الاضطرابات المستمرة في المنطقة، قامت منظمة Four PAWS بنقل اثنين من الأسود إلى جنوب أفريقيا يوم 8 أبريل 2019، ويعيشون هناك في حظائر مناسبة لهم.

 مرت الحيوانات بالعديد من المراحل فأولًا: قامت المنظمة بعدة مفاوضات مع الجهات المختصة لعدة شهور قبل أن تبدأ مهماتها على أرض غزة، ثم بعد أن حققت مرأبها مع الجهات المختصة، وصل فريقها الطبي المكون من أطباء بيطرين وخبراء حياة برية إلى قطاع غزة داخل حديقة حيوان رفح، وذلك في يوم 4 أبريل 2019، ففحصوا أكثر من 50 حيوان في معدودة جدًا.

ثم قامت منظمة FOUR PAWS بتحميل الحيوانات في صناديق النقل الخاصة بها في 6 أبريل، ثم بدأت رحلة أخرى يبلغ طولها 300 كيلومتر تقريبًا إلى الأردن في وقت مبكر من صباح يوم 7 أبريل، وقابلهم تحدي لوجستي آخر فعند معبر "إيريز" الحدودي مع -إسرائيل-، وبما أنه لا بد من تغيير عربات، فتم تفريغ جميع صناديق الحيوانات وتحميلها على شاحنة جديدة في منطقة الحاجز بين إسرائيل وغزة، واستمرت الرحلة إلى الحدود الأردنية وهى محاطة بالجيش الإسرائيلي، وفي وقت متأخر من المساء وصلت فرقة FOUR PAWS مع الحيوانات إلى محميات الحياة البرية الأردنية، وبعد ذلك وبحوالي ساعة وصلت إلى عمان، لكن بالنسبة للأسدين الأكبر سنًا، فسافروا إلى جنوب أفريقيا، حيث سيجدون موطنهم الأخير في ملجأ القطط الكبيرة ذو الأقدام الأربعة LIONSROCK.

والجدير بالذكر أن منظمة FOUR PAWS تنشط في غزة منذ عام 2014، وقد قامت بالفعل بإخلاء وإغلاق حديقتين من حديقة الحيوان، حديقة حيوان البيسان وحديقة حيوان خان يونس، وبعد إنقاذ حيوانات حديقة حيوان رفح، لم يتبق سوى حديقتين فقط في قطاع غزة.

 

 ترجمة وإعداد وكتابة: منة الله عامر

 كُتبَ الموضوع منذ عدة أشهر، بالتأكيد الأرقام الآن تغيرت وزادت... 

 

 



[1] مقرها غزة.

تعليقات

المشاركات الشائعة