رأس السنة اليهودية ראש השנה

 كتب: منة الله عامر 


 رأس السنة العبرية ראש השנה

يُطلق على عيد رأس السنة العبرية في العهد القديم "روش هاشاناه" أو "يوم النفخ في البوق" أو "יום תרועה" وهو يحتوي على مضمونين رئيسين، الأول: كونه عيدًا لبداية العام الجديد والثاني فهو يوم حساب النفس والتوبة؛ فمن الطبيعي أن يحاسب الإنسان نفسه على أفعاله في العام المنصرم وليستعد للعام الجديد.

 ويستمر عيد رأس السنة العبرية حسب التقاليد اليهودية لمدة يومين، ويعتبر حاخامات اليهود اليومين هو يوم واحد طويل يُطلقه عليه اسم "יום ארוך" – "يوم أروخ"، حسب ما جاء في كتاب الأعياد اليهودية للباحث والمترجم عمرو زكريا.



قديمًا كانت السنة العبرية الجديدة تبدأ من شهر نيسان أي في الربيع، فيُعتقد أن في هذا الوقت خرج بنو إسرائيل من مصر وأصبحوا أحرارًا وبدئوا تقويمًا خاصًا بهم، ولكن بمرور الوقت وبعد استقراراهم في أرض كنعان "فلسطين" حدد الحاخامات رأس السنة بالأول من شهر تشريه الأول، والذي يعتبر موسم الحصاد لديهم.

طبقاً للتقويم العبري يعتبر بداية يوم 2 أكتوبر 2024 الذي يوافق 1 تشريه 5785 عبري (اليوم يبدأ من غروب الشمس). والتقويم العبري هو تقويم شمسي/ قمري - تكون الشهور قمرية 29/ 30 يومًا، ويتم معادلتها لتتوافق مع تغير الفصول وذلك بإضافة شهر كل ثلاث سنوات أو سنتين - طبقاً لدورة ميتون التي تتكرر كل 19 عاماً - وبالتالي تكون رأس السنة العبرية متنقلة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر فقط من كل عام.

مصادر العيد

أوصت التوراة بالنفخ في الأبواق في بداية السنة الجديدة؛ فورد في سفر اللاويين (23: 23 – 25) "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ يَكُونُ لَكُمْ عُطْلَةٌ، تَذْكَارُ هُتَافِ الْبُوقِ، مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ، عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا، لكِنْ تُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ"، والمضمون ذاته في سفر العدد "وَفِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلًا مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. يَوْمَ هُتَافِ بُوق يَكُونُ لَكُمْ" (29: 1)، والشهر السابع هو شهر أيلول أو شهر سبتمبر.

وما يميز هذا العيد عن غيره، كما ذكرها دكتور سامي الإمام أستاذ الدارسات اليهودية بجامعة الأزهر، كلية اللغات والترجمة رحمه الله في كتابه الموسوعي "الفكر العقدي اليهودي موسوعة جيب"، هو أن الخلقُ يتوجوه الرب ويملكونه عليهم، ولذلك يُنفخ في البوق، فيعتبر النفخ به سبب من أسباب السعادة، وفي هذا اليوم تُرتدى الملابس الجديدة الملونة ويذكر لنا التلمود البابلي أن هذا اليوم هو ذكرى خلق العالم، ولذلك تتضمن صلوات هذا اليوم فقرات توراتية وتراثية تمجد الرب وتذكر علو شأنه وسيطرته على العالم، كما يتضرع إليه بصفته إله إسرائيل، ويذكر التلمود أن هذا اليوم يفتح فيه ثلاث سجلات:

الأول: سجل الأبرار، الثاني: سجل الأشرار، وهذا السجلان يفتحان ويغلقان على الفور، وتكتب لأصحاب السجل الأول الحياة، بينما يكتب لأصحاب السجل الثاني الموت، أما السجل الثالث: فسجل المتوسطين بين أصحاب السجلين الأول والثاني، وهؤلاء معلقون ومصيرهم رهن أفعالهم في أيام التوبة العشرة التي تمتد حتى يحل يوم "الغفران"، فإن تابوا يكفر عن أفعالهم السيئة، وإن لم يتوبوا يُكتب عليهم الموت، لذلك يهنئ اليهود بعضهم البعض في تلك الفترة الواقعة بين رأس السنة وعيد الغفران، بعبارة "أتمنى لك الخير".

ويؤكد لنا كاتب سفر المزامير أهمية البوق؛ "بِالأَبْوَاقِ وَصَوْتِ الصُّورِ اهْتِفُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ الرَّبِّ" (98: 6)، فورد في الموسوعة اليهودية أن حاخامات اليهود فسروا هذه التوصية، بأن رأس السنة هو يوم بدء خلق العالم فهو اليوم الذي خلق الله فيه العالم وملك عليه، ويضاف لأسباب هذا العيد أيضًا سبب أكثر أهمية، وهو تقريب إسحاق (الذبيح حسب العقيدة اليهودية) في مثل هذا التاريخ، ويعتبر هذا العيد هو بداية أيام التوبة.

ومن شعائر العيد كما ذكرها البروفسور "Ophir yarden" أستاذ الدراسات اليهودية والإسرائيلية في جامعة "براجم يونج" في بحثه "الأعياد والاحتفالات في الكتاب المقدس"، أن تُقرأ أجزاء من التوراة؛ ففي اليوم الأول تقرأ قصة هاجر وإسماعيل، وملاك الرب الذي أنقذهما من الموت عطشًا، وفي اليوم الثاني تقرأ الفقرات التي تتحدث عن تقديم إسحاق كقربان للرب، وينفخ في البوق بنظام معين، ولكن إذا صادف العيد "يوم السبت" فلا يجوز النفخ في البوق حتى لا يدنسوا يوم السبت -يوم الراحة-.

ومن المعتقدات السائدة أن النفخ في البوق يهيئ النفس اليهودية للتوبة، ويبلبل أفكار الشيطان، ومن العادات الشائعة أن يتوجه اليهودي بعد الظهر إلى شاطئ نهر أو بحر، ويقرأ هناك صلاة معينة وتسمى "תשליך" بمعنى الخلع، لكي يتطهر تمامًا من ذنوبه ويأخذها البحر.

ويذكر كتاب "שולחן ערוךللربي يوسف كارو، أن هناك أطعمة معينة لهذا العيد، فيوصي في اليوم الأول من العيد بتناول التفاح بالعسل لإشعار النفس بالتفاؤل والخير بالعام المرتقب، كما يوصي بتناول رأس كبش أو رأس سمكة تيمنًا بأن يكون الإنسان، "رأسًا بلا ذنبًا" والسبانخ تفاؤلًا "بانصراف الأعداء" والكراث أملا في "هلاك الأعداء"، ودرج بعض اليهود الذين كانوا يقيمون في دول شمال أفريقيا على عدم شرب القهوة في "رأس السنة" نظرًا للونها الأسود الذي يعد في نظر كثيرين نذير سوء.



رمزية النفخ في البوق عند اليهود

البوق أو"שופר" الشوفار بالعبرية، هو أداة نفخ تصنع من قرن الكبش الذي يقدم كأضحية أو تقدمة في المعبد، ويذكر لنا دكتور رشاد الشامي رحمه الله، في كتابه الرموز الدينية في اليهودية، أن أول بوق تم صنعه من الكبش كان الذي ضحى به سيدنا إبراهيم افتداء لابنه.

استخدم البوق قديمًا أثناء الحرب لدعوة الشعب للخروج والمشاركة في المعركة ولإعلان الجهاد المقدس ضد الأعداء ولإثارة الرعب في نفوسهم، مثلما حدث مع "يشوع بن نون" عند احتلاله لأريحا؛ فنقرأ في سفر يشوع الإصحاح 6:"وَالْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ، وَيَكُونُ عِنْدَ امْتِدَادِ صَوْتِ قَرْنِ الْهُتَافِ، عِنْدَ اسْتِمَاعِكُمْ صَوْتَ الْبُوقِ، أَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ يَهْتِفُ هُتَافًا عَظِيمًا، فَيَسْقُطُ سُورُ الْمَدِينَةِ فِي مَكَانِهِ، وَيَصْعَدُ الشَّعْبُ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ..".

واستخدم أيضًا من أجل التحذير من الخطر المتوقع من قبل الكشافين أو طلائع الجيش، وعند مسح ملوك إسرائيل قديمًا كان يتم النفخ في البوق، وقد أعيد بعث هذا التقليد الديني في دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة، عند أداء رئيس الدولة لليمين.

وفي بعض الأحياء اليهودية الأرثوذكسية في القدس يستخدم اليهود "البوق" للإعلان عن مقدم يوم السبت، وحينما احتلت القوات الصهيونية القدس في يونيو 1948م ذهب الحاخام العسكري الجنرال "جورين" ونفخ في البوق أمام حائط المبكى، وهو نفس البوق الذي نفخ فيه فوق جبل سيناء، حينما احتلت قوات الاحتلال شبة جزيرة سيناء في عام 1956م.

وينفخ في البوق بترتيب معين، فقبل بدء النفخ في البوق يتلو الحاضرون -في المعبد- المزمور 47 ويكررونه سبع مرات، وقبل أن تبدأ عملية النفخ يتلو النافخ صلاة قصيرة ثم يبدأ النافخ والحاضرون قراءة فقرات تعبر عن الرحمات، "مِنَ الضِّيقِ دَعَوْتُ الرَّبَّ فَأَجَابَنِي مِنَ الرُّحْبِ" المزامير (118: 5)، يكون النفخ على ثلاث مجموعات كل مجموعة من ثلاث مرات، وفي الصلاة الإضافية ينفخون ثلاث مرات بعد صلاة "ملكويوت، زخرونوت، شوفرونوت"، ويختلف العدد من طائفة إلى أخرى وتتكرر العملية في يوم رأس السنة، ومن لم يستطع الذهاب إلى المعبد لسماع عملية النفخ فإنه ينفخ البوق في منزله.

وعندما كان هيكل سليمان مُشيدًا كان يتم نفخ البوق في داخله فقط، وكان هذا البوق مغطى بالذهب، وكان وقت النفخ به متزامن مع الفجر حتى شروق الشمس، ولكنهم بعد ذلك غيره فأصبح يُنفخ في البوق في صلاة المساء.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة