الختان في اليهودية

 كتب: منة الله عامر



          الختان كفكرة دينية لم يكن مقصورًا على اليهود فقط، بل أن بعض الشعوب السامية كانت تعتقد هذا الاعتقاد، فكان الختان في الأصل نوعًا من أنواع العبادة الدموية التي كان الإنسان يقدمها إلى أربابه وإنها تعد أهم جزء من العبادات في الديانات القديمة، يعرض التقرير التالي أصل عادة الختان والعهد الذى أبرمه الرب مع بني إسرائيل ومتى تتم عملية الختان في العقيدة اليهودية وما أسبابها، وفقًا للفكر الديني اليهودي



 يرى البعض أن تاريخ هذه العادة يرجع إلى عصور ما قبل التاريخ وإنها ترتبط بأقدم العمليات الجراحية التي أجريت في جمجمة الإنسان الأول، وإنها ترجع إلى العصر الحجري وسندهم في ذلك هو استخدام السكاكين الحجرية في تنفيذ تلك العملية، وقد مارس المصريون هذه العادة منذ آلاف القرن الرابع قبل الميلاد، كتب المؤرخ "هيرودوت" أن الختان كان منتشرًا لدى المصريين والسوريين وشعوب شرق آسيا الصغرى، وكتب "فيلون" أيضًا أن تلك العادة كانت مُتبعة عند الكنعانيين أيضًا، وبعض الفقرات في العهد القديم تدل على أن سكان شرق الأردن وسكان صيدا يمارسون هذه العادة مثل: (أرميا 9:24 ، حزقيال 19:32 )، ويدل أيضًا الشعر الجاهلي أن الختان كان مُتبعًا عند القبائل العربية قبل فجر الإسلام.

أما عن الختان كعادة دينية في اليهودية، فيذكر العهد القديم أن بداية الختان يعود إلى سيدنا إبراهيم -عليه السلامكما ورد في سفر التكوين(1-14:17) " هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَر، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ، يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي».

ويسمى هذا العهد بالعبرية "ברית המלה"، أي عهد الختان، وقد خَتن "إبراهيم" نفسه في العاشر من شهر تشرين، وكان ابن تسع وتسعون وبعد ذلك ختن ابنه "اسماعيل" وكل رجال بيته في نفس اليوم، وهذا اليوم سميَ فيما بعد "يوم الكفارة" (عيد الغفران).

وردت ذكر وصية الختان أيضًا ضمن قانون فريضة عيد الفصح، الخروج (49-43:12)، حيث فرضت الشريعة على كل اليهود الذين أمروا بتقديم أضحية أن يكونوا مختونيين كما سمحت للعبيد والغرباء الأكل منها بشرط أن يختنوا، وهو ما أعطى بعد قومي لتلك العادة بالإضافة إلى البعد الديني.

كما عرف الحاخامات اليهود بأن الختان أساس العادات القديمة وأهم أسس الشريعة الدينية، وقد فسره الحاخامات اليهود على أنه رمز للنضوج الفكري والأخلاقي الديني اليهودي، وأنه لا يرمز فقط للحب والعهد المُبرم بين الرب واليهود، بل أيضًا لحب اليهودي لبني قومه.


يمكننا استنتاج بعض النقاط المهمة:

       أن الختان الذى ذكر في العهد القديم يتشابه أساسًا مع الختان الذي كان سائدًا بين الشعوب البدائية، الفرق بينهم يكمن في المفهوم الاجتماعي والديني لعهد الرب، الذى خص به بني إسرائيل في حين ختان الشعوب البدائية يكمن في مفاهيم أخرى قد تكون توحيد القبائل.

       أن التحريم الذي فرضته التوراة على عدم أكل "الأغلف" أي "غير المختون"، إنما يدل على المعنى الاجتماعي لعملية الختان كعلامة للعهد؛ وذلك لأن ذبيحة عيد الفصح ترمز إلى تميز وتوحيد وانفراد بنى إسرائيل.

       مما ذكر عن أعمال "شمعون" في شكيم، فإن الشخص المختون فقط هو الذي يستطيع التزاوج معهم، وقد عد الختان منذ هذه الفترة دليلًا على اليهودية، كما ورد في سفر "يهوديت" (14:3)، "أن "أحيئور العمراني" أختتن عندما قرر اعتناق الديانة اليهودية".

"متى تتم عملية الختان"

إذا عُدنا إلى كتاب العهد القديم فنجده يحتم إتمام عملية الختان في اليوم الثامن من ميلاد الابن الذكر، وذلك طبقًا لما ورد في سفر التكوين الإصحاح "17"، ومن هذا النص أخذ اليهود توقيت الختان وهو اليوم الثامن من الميلاد، بحيث لا يمكن تأجيله مهما كانت الأسباب، وحتى ولو كان ذلك يوم السبت وهو أقدس الأيام لدى اليهود.

ونجد في التلمود شرح مُفصل لبعض الأسئلة المهمة التي تتعلق حول الختان في "مبحث السبت"، فمن الممكن أن يموت الرضيع بسبب إجراء تلك العملية في وقت مُبكر حيث أن المواد اللازمة لتجلط دم الرضيع تتكون في أمعائهم بعد ستة أيام من الولادة وتكتمل في اليوم الخامس عشر، لذلك فمن الممكن أن يموت الرضيع إذا أجريت قبل ذلك.

لذلك سنكون بصدد سؤال مهم حول قدسية تلك العادة في اليهودية، وهو لِماذا قررت التوراة وجوب الختان في اليوم الثامن؟  ولماذا وجوبَ ختان الرضيع المتوفى قبل الدفن؟

هل ليكتسب الهوية اليهودية؟ وليصير يهودي؟ ولماذا وفى الأصل أن اليهودي هو كل من ولد من أم يهودية دون اشتراط الختان؟ فما الجدوى من ختان طفل في اليوم الثامن ؟ أهل هناك فائدة صحية أم دافع قومي ديني؟

الحقيقة أن الحاخامات اليهود لم يُجيبوا بشكل صريح وشامل على ذلك السؤال، وذلك يقود إلى التضارب حول الختان في اليهودية من حيث تحوله إلى رمز ديني يعكس "علامة الاختيار والعهد"، رغم ممارسة شعوب كثيرة له.

أما عن ختان الإناث فلم يَذكر العهد القديم أي شيء عن ذلك، ولكن استبدل ختان الأنثى بزيادة مدة التكفير التي تكون الأم فيها نجسة ومضاعفة الفترة الزمنية التي تقيم فيها لتطهير من دم ولادتها، وذلك وفقًا لما ورد في سفر اللاويين (5:12)، " وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا".

ومن هنا أصبح عهد الختان كما ورد في العهد القديم هو علامة لتمييز بني إسرائيل عن بقية الشعوب وتأكيد فكرة اختيار اليهود عن بقية العالم، وفقًا للفكر الديني اليهودي. 

تعليقات

المشاركات الشائعة