المزوزا المُقدسة

 




كتب: منة الله عامر


    تُعتبر الرموز الدينية من أكثر الأشياء التي تُحدد ملامح الديانات، فنجد الكثير من الرموز المتواجدة في اليهودية بصفة خاصة وباقي الديانات الأخرى بصفة عامة، ولقد تأثرت اليهودية بكثير من الديانات الآخرى لذلك نجد بها الكثير من الرموز التي نتجت عن هذا التأثر، فقد جسدت اليهودية شعارتها وتقاليدها في رموز دينية مُقدسة، لتذكير اليهود بعقيدتهم وتخليد ذكريات أجدادهم، فكانت "المزوزا" أحد تلك الرموز.
الصورة من بوابة معبد "بوابة السماء" في شارع عدلي القاهرة، مصر


"المزوزا"
كلمة "المزوزا"،"מְזוּזָה": تعني عضادة الباب أو لافتة على الباب، استخدمها العبريون القدماء للإشارة إلى عمل ساكن البيت، وكانت ترمز كذلك إلى "أداوات العمل"، ثم أتت بعد ذلك كإشارة إلى أن الذي يسكن البيت يعمل حرفيًا، استخدمها اليهود فيما بعد كرقية تُعلق على الأبواب اليهودية حيث جاء في التوراة: "إنك سوف تجد على باب دارك ما يشير إلى كلمات الشريعة التوراة".

   "المزوزا" عبارة عن صندوق صغير من الخشب أو المعدن أو الزجاج يبلغ طوله ثلاث بوصات، بداخله قطعة من جلد حيوان نظيف شعائريًا بحسب تعاليم الدين اليهودي، ومكتوب عليها الجزئين التاليين:
1-   "الشماع" وهي شهادة التوحيد اليهودية:
" اسمع يا إسرائيل الرب إِلهنا رب واحد، فأحبوا الرب إلهكم من كل قلوبكم ونفوسكم وقوّتكم. وضعوا هذه الكلمات التي أوصيكم بها على قلوبكم، وقصّوها على أولادكم، وتحدّثوا بها حين تجلسون في بُيوتكم، وحين تسيرون في الطّريق، وحين تنامون، وحين تنهضون. اربطوها علامة على أيديكم، واجعلوها عصائب على جباهكم. اكتبوها على قوائم أبواب بُيُوتِكم وبوّابات مدنكم". (التثنية 4:6-8).
2- ومن أجل أنكم تسمعون:
" ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها، يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك، ويحبك ويباركك ويكثرك ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك: قمحك وخمرك وزيتك ونتاج بقرك وإناث غنمك، على الأرض التي أقسم لآبائك أنه يعطيك إياها". (التثنية 12:7-18).
وبعد أن يكتبوا فقرات التوحيد، يقومون بلف الجلد، وتوضع بطريقة مُعينة؛ بحيث تظهر فيما بين الجزئين المكتوبين كلمة "شداى"، وهي الأحرف الأولى من الجملة العبرية "שומיר דילות ישראל" "حارس أبواب إسرائيل"، وهي أحد أسماء الخالق في اليهودية، وتثبّت بعد ذلك "المزوزا" على الأبواب الخارجية وأبواب الحجرات في الزاوية التي ترتفع عن الأرض بحوالي خمسة أقدام في الجهة اليُمنى من مدخل الباب، وقبل التثبيت يباركون عليها ببركة "مُبارك أنت أيها الرب.... الذي أمرنا بأن نضع المزوزا.. 


أما عن اليهود المتدينين فقد اعتادوا على تقبيل "المزوزا" عند الدخول والخروج من البيت، ولكن تلك العادة سببت إزعاجًا لطوال القامة و قصارها، فاكتفوا بلمسها، ثم لثم أصابع اليد التي لمستها، ويقولون: "اللهم احرس خروجي ومجيئي الآن وإلى الأبد".
وفي منازل الأرثوذكس والمحافظين توجد "المزوزا" على كل باب، وقد كانت الأقليات اليهودية في أرجاء العالم يثبّتونها بعد مرور ثلاثين يومًا من الإقامة، حتى يتأكدوا أنهم لن يُغادروا المنزل.
أما يهود إسرائيل فتثبت "المزوزا" فورًا من أول يوم، لأن اليهودي إذا ترك المنزل فسيشغله يهودي آخر، وبذلك لا يكون قد جرى تطهير البيت بدون جدوى.

 

وقد عرفت "المزوزا" أنها تذكرة لبني إسرائيل لتنفيذ وصايا الرب؛ حيث تنتهي الآيات بنصيحة اليهود بأن أوامر الله يجب أن يطيعها الناس في المنزل وخارجه، ويعتبر الصندوق دائمًا تذكرة لهم بأن الله موجود معهم، فهم يرونه عند دخولهم المنزل فيتذكرونه ويرونه عند مغادرتهم، فيتذكرون أن الله موجود في كل مكان.
أما بالنسبة لمَنْ يَمرون في الطريق، يُعتبر الصندوق إشارة إلى أن سكان المنزل من اليهود، وهم يعتقدون أنها قادرة على مواجهة الشيطان، والمحافظة على ساكن البيت من الشر، وتطهير البيت، وتحصينه ضد الخطيئة.
والجدير بالذكر أن "اسرائيل ابراهام" أشار في تعليقه على كتاب "الصلاة"، أن هذه التقاليد مُقتبسة من القدماء المصريين الذين كانوا يكتبون عبارات تتضمن الحظ السعيد على مداخل بيوتهم، وكذلك كانت كغيرها من التقاليد التي ترجع إلى العصور البدائية التي كان لها قيمة معنوية كبرى، وتحولت إلى خرافات، ثم إلى رمز له دلالة هامة فيما بعد.
أما في "إسرائيل" فتم وضع "المزوزا" على الأبواب في الدولة فشملت المباني الحكومية أيضًا، وبعد حرب 1967 علقت "المزوزا" على أبواب القدس، ظنًا منهم أن بهذه الطريقة تُصبح الدولة يهودية تمامًا.



تعليقات

المشاركات الشائعة