أسطورة الجولم في الأجادا اليهودية

 

    كتب: منة الله عامر  

  تحدثنا عن عيد الفصح، وأهميته وطقوسه، وانتشر لفترة تاريخية أن اليهود يقوموا بخلط دم شخص مسيحي أو مسلم بفطيرة عيد الفصح، ولدحض تلك الفكرة، ظهر كيان "الجولم" الأسطوري، فهيا بنا نعرف ما هو الجولم، وما حكايته...

 


الجولم كيان أسطوري في الميثولوجيا اليهودية، – بحسب الأجادا (الأجادا هي الأساطير اليهودية)– ابتكرها ربي يهودا ليڤا في القرن السادس عشر؛ بغرض التصدّي لـ "فرية الدم" – "القتل"، وهى تهمة كانت تشاع عن اليهود في مناسبة عيد الفصح حيث كانوا يقومون بتصفيّة دم ضحية مسيحي أو مسلم ووضع بعض دم الضحية في عجين فطيرة الفصح.

مما أدّى إلى اضطهادهم بل وتدبير المذابح لهم؛ كما حدث في روسيا القيصرية، وراح ضحيتها أعداد كبيرة من اليهود، وهو ما أدى بشاعرهم الكبير "حاييم نحمان بياليك" آنذاك، لكتابة قصيدة مُبكية عن أحوالهم التي ذاقوا فيها مرارة القتل والاغتصاب والتعذيب والطرد والتشرد.

تلم القصيدة التي صدح فيها حاييم نحمان بوصف اليهود في آخرها بعبارته "فماتوا ميتة الكلاب بين الأنام".

وحسب ما ورد فإن "الجولم" استخدم شيطانه كرسول أمين وألقى الخوف والرعب في نفوس مروجي هذه التهمة المذهلة! وفي ليلة كل سبت اعتاد الراب (أي الحاخام) أن يُخرج روح الحياة من داخل الجولم خشية أن يُدنس السبت، وكان الجولم يتمدد على الأرض ككتلة مادية خالية من الحياة حتى مساء السبت.

وفي أحد أيام الجُمَع نسي الراب أن يُخرج روح الجولم من جسده، وما كان من الجولم إلا أن دنّس السبت ونشر الخطر والرعب بين الأغيار المقيمين في المدينة، لكن الراب طارده ولحق به خارج بوابة المعبد القديم في براغ، وبسرعة أخرج منه روح الحياة فتناثر الجولم إلى أشلاء.

كانت حروف كلمة "إِمِتْ -אמת" التي ترجمتها بالعربية "حقيقة"، محفورة على جبهة الجولم، وموته يتحقق بمحو حرف الألف من كلمة "إمت" فبقيت كلمة "مِتْ" التي تعني بالعبرية "مات"، وبحسب الفكر الأسطوري ظلت بقايا جسده فوق سطح المعبد إلى يومنا هذا.

ليس في كتاب "مدائح الراب يهودا ليڤا" الذي دوِّن على يد تلميذه، والذي يعدّ سيرة ذاتية لحياته، أية كلمة تدل على تلك الحكاية كما لم تفلح أبحاث حديثة في إيجاد أية أدلة على تلك الحكاية قبل عام 1837، وتوصل الباحث "إيلي أشد"، الباحث في الأدب الشعبي، إلى أن هذه الحكاية نشرت للمرة الأولى بواسطة الكاتب الألماني "برتولد أورباخ"، في كتابه "سبينوزا" سنة 1837، ولم تكن له أية خلفية شعبية تذكر لكن مع ذلك انتشرت القصة بسرعة مذهلة, لدرجة ان الجميع عدّها "قصة شعبية قديمة" أمّا منتجها الرئيس "أورباخ" فقد طواه النسيان.

انتشرت الحكاية الأسطورية بين اوساط يهود أوروبا بعد أن أصدر الراب والكاتب "يهودا يودل روزنبرج" في 1909 كتابًا حمل اسم "عجائب الراب يهودا ليڤا" وصف فيه تفاصيل كاملة عن قصة ابتكار أو ابتداع الجولم؛ حياته وموته الغامض، وأعماله الشجاعة الخارقة للعادة من أجل انقاذ يهود براغ من تهمة الدم ومن القسّ "تداوس" الشرير.  

رأى كثيرون في تلك الحكاية عملا مزيفًا لا أصل له على أرض الواقع، ذكر الراب "مناحيم مندل شنيؤرسون" أن تلك الحكاية كانت شائعة حتى من قبل كتاب "روزنبرج" وأضاف أنه سمعها من حميهِ الذي زار سطح المعبد المذكور وعاين هناك بعض بقايا الـ جُولِم، ويذكر في سياق آخر أن حقيقة الجولم تتبدّى في إيمان غير اليهود به وبالتالي فهو ليس أسطورة يهودية.!

اتخذت حكاية الجولِم الأسطورية مصدرًا استلهم منها مسرحيات وأفلام من بين الأفلام الأكثر شهرة فيلم (The Golem) بطولة "باول ڤاجنر" سنة 1920، الذي كان اليهود أثاروا ضجة بحجة أنه يحمل إشارات ضد السامية، تبنّى ڤاجنر الذي كان متأثرًا بكتاب "روزنبرج" فيلمين آخرين عن الجولم، أحدهما "الجولم والراقصة".

كتب الأديب والشاعر الأرجتيني "خورخي بورخاس" قصيدة "الجولم"، وصف فيها الراب "يهودا ليڤا"، والجولم، زعم بورخاس أن الجولم كان أصمًّا ربما بسبب خطأ في نطق أسماء الرب القدوس حين ابتكاره.

أصدر الكاتب اليهودي "يسحاق زينجر" كتابًا حمل اسم "الجولِم" طعَّمه بملامح أدبية عصريّة مثل: قصة غرامه مع فتاة وانقلابه على صانعه جراء طلبه القيام بأعمال ماجنة وكذلك رغبة قائد الجيش في تجنيد الجولِم في جيش القيصر.

ظهر في سنة 1899 بشوارع نيويورك مدينة المهاجرين مخلوقان ليسا من عالمنا "حواء" وهى امرأة من عالم الـ "جولِم"، صنعها راب من بولندا يعمل بالسحر وخبير في عالم الغيبيات أو ما وراء الطبيعة و"أحمد" وهو جِنّي مخلوق من الريح والنَّار، الذي انطلق من داخل قمقم نحاسي من حانوت تاجر سوري! - ولا تخفى هنا الإشارة إلى العرب المسلمين مباشرة خاصة اسم "أحمد".

وعلى الرغم من هذا المزيج المتنافر إلا أن صداقة تطورت بينهما: ولم يكن بمقدورهما أن يكتشفا هويتهما الحقيقية إلا حين يكونا متواجهين، لكن هذا التقارب لم يدُم طويلا: فهناك قوى عدة نهايتها الانكشاف وظلت لآلاف السنين تفتّ في عضديهما.

كما وصى د.سامي الإمام، رحمه الله، في مقالته عن الجولم التي هي متن مقالتنا أيضًا إلى "نحن في حاجة إلى مزيد من الاهتمام بإنتاج اليهود ليس في إسرائيل فقط بل على مستوى العالم أجمع حتى يمكننا متابعة تشويههم للتراث وافتراءاتهم وتدبيرهم للأكاذيب والشعوذات التي تمكنوا من إقناع العالم بها في غياب عمل عربي مواز - على الأقل  يفند كل هذا النشاط الهدّام الذي يتولاه بعض اليهود عبر التاريخ.

 

وبهذا يكون كيان "الجولم" ما هو إلا انبثاق أسطوري خيالي في عقلية اليهودي المتأخرة، وليست من نصوص العهد القديم، أو التوراة.

 وفي الختام أرجو من الله أن أكون قد أضفت لكم معلومات جديدة وأن أكون ضيفًا خفيفًا على عقولكم.


المراجع: 

مدونة د.سامي الإمام رحمه الله. 

تقدر أن تسمع حلقات بوابة السماء على اليوتويب من هنا: 

https://www.youtube.com/watch?v=CLJj0382MXY&list=PLla2EbkaiNSELklhfGNw9HKvdiwn1zYK9&index=2&t=354s


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة