نهاية العالم א


 كتب: منة الله عامر
   
   يبدو عنوان التقرير تقليدي، أليس كذلك؟ معك حق عزيزي القارئ هو تقليدي ومعتاد على الأعين في تلك الآونة وكان من الممكن أن اختار أي عنوان أخر كأبوكلبيس 2020، أو أخر الزمان أو أي عنوان يمكن لعقلك أن يبتكره، ولكني فضلتُ أن يكون عنوان التقرير وما يليه من تقارير لها نفس التيمة، معتاد على عينيكَ، حتى لا تشعر بالازعاج أو تقول في سرك، إنها تُفزلك -ولكَ الحق في قول ذلك أيضًا-، ولكن دعني أبدء معك الحكاية اليوم.
انتشر مؤخرًا أن ما يحدث الآن من تغيير أحوال الطقس وانتشار الفيروسات القاتلة، إنها نهاية العالم، ولكن هل هذا صحيح؟ فما إذًا نهاية العالم وما الأحداث المرتبطة بها؟ وهل كل الأديان تشترك في الأحداث ذاتها، بالطبع أقصد أحداث نهاية العالم!
سنتجول اليوم في رحلة بين الأديان، وكعادتنا سنجزء الرحلة على أيام، سنبدأ هنا برحلة إلى الدين اليهودي، فاِجمع كل طاقتك وصبرك ولنبدأ جولتنا معًا، هيا بنا. 


آخر الأيام 

   المُتابع منكم لتقارير السابقة سيعرف أن الدين اليهودي له أفكار خاصة تميزه، مثل: القومية والعرقية وبعض المفاهيم الدينية مثل: الخلاص والاختيار، وفكرة نهاية العالم مرتبطة لديهم بإعادة بناء الهيكل الذي تحدثنا عنه في التقرير السابق، ومجئ -المسيح المخلص- كما يدعون، إذا فهل هناك نبؤات بتلك الأحداث في العهد القديم أو التلمود؟ ومَنْ المسيح المخلص إذًا؟
سنبدأ حديثنا اليوم عن فكرة آخر الأيام وما المقصود بها في العهد القديم لنربطها بعد ذلك بإجابتنا على الاسئلة السابقة؛ حيث تكرر مصطلح آخر الأيام أو كما يُقال بالعبرية "אחרית הימים"، في العهد القديم بكثرة؛ فله معانٍ آخروية ومنها عودة اسرائيل (يُقصد بها هنا الدولة) ودينونة العالم، واقامة المملكة المسيحانية، واعادة بناء الهيكل، إذا هناك جزء بالفعل حدث وهو إقامة -الدولة- على أرض فلسطين، وأنتم بالطبع تعرفون الحكاية، فلا داعٍ للإطالة. 

هناك كوارث تمهد لنهاية العالم، فمثلا نقرأ في المشنا قسم النساء (9 – 15)؛"سوف تكثر الوقاحة، ويرتفع الغلاء، وتندر النصيحة، وينتشر الزنا، وتضيع الحقيقة، سيريق الفتية ماء وجة الشيوخ، ويجابه الشيوخ الصغار، ويوبخ الابن اباه، وتثور البنت على أمها، والعروس على حماتها، ويصبح أعداء الرجل هم أهل بيته، ولا يستحي الابن من أبيه، نعم الجدود ولكن بئس ما خلفوا"، واقرء ثانية ما سبق هل يذكرك بشئ قرأته من قبل؟! "نعم" هذا ما ذُكر في الاسلام أيضًا.
السؤال هنا هل هناك نبؤات عن نهاية العالم وهل بالفعل تشبة ما يحدث الآن؟ 

 نبؤات نهاية العالم

لا يوجد تسلسل للأحداث في العهد القديم والبعض منها متناقض أيضًا، ولكن يمكننا تقسيم النبؤات إلى:
نبؤات القضاء: وهى تشير إلى القضاء القادم على الآثمين من بني إسرائيل، فنقرأ في سفر عاموس:" وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَشْتَهُونَ يَوْمَ الرَّبِّ! لِمَاذَا لَكُمْ يَوْمُ الرَّبِّ؟ هُوَ ظَلاَمٌ لاَ نُور" (5: 18)، ونقرأ أيضًا:" ذلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ، يَوْمُ ضِيق وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ، يَوْمُ بُوق وَهُتَافٍ علَى الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ وَعَلَى الشُّرُفِ الرَّفِيعَة، وَأُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ، لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ، فَيُسْفَحُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ وَلَحْمُهُمْ كَالْجِلَّة، لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ، بَلْ بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا، لأَنَّهُ يَصْنَعُ فَنَاءً بَاغِتًا لِكُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ"، سفر صفنيا (1: 15 – 18).
وهناك أيضًا نبؤات عن عقاب الشعوب الأخرى مثل:"المصريين – الآشوريين – البابليين- الفلسطيين – المؤابيين"، فنقرأ:" فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الْعَالِي الْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، وَعَلَى كُلِّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ التِّلاَلِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَال، وَعَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ، وَعَلَى كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ، وَعَلَى كُلِّ الأَعْلاَمِ الْبَهِجَةِ، فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَتَزُولُ الأَوْثَانُ بِتَمَامِهَا"، سفر إشعياء (2: 12 – 18).
نبؤات الخلاص، وهى تأتي بعد هزيمة أعداء بني إسرائيل؛ حيث سينعم الشعب بالسعادة والرخاء ويعود المنفيين كما في إشعياء، وستبنى أورشاليم من جديد، فنقرأ:" رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ، لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالًا عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ"، سفر إشعياء (61: 1 – 3). 

ويفهم من الفقرات السابقة، أن نهاية العالم يُقصد بها يوم الدينونة أو يوم الحساب، وهو يوم الرب ينهي به الظلم والطغيان، كما قرأنا بالفقرات. ويحتوي سفر إشعياء على معظم النبؤات الأخروية التي من الصعب ذكرها جميعها هنا، ولكن عرضنا  منهم الأكثر أهمية وخاصة تلك المرتبطة بالخلاص، ولابد أن نشير إلى أن نبؤات الخلاص هى خلاص لبني إسرائيل، وتشكلت وكتبت في ظروف تاريخية ونفسية خاصة بهم هم فقط؛ ولها شرط محدد ليحدث الخلاص الإلهي المنتظر المتمثل في خروج المسيح المنتظر بالنسبة لهم، وذلك الشرط هو التوبة إلى الرب والعودة إلى طريقه وأوامره، فنقرأ:"إِنْ رَجَعْتَ يَا إِسْرَائِيلُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنْ رَجَعْتَ إِلَيَّ وَإِنْ نَزَعْتَ مَكْرُهَاتِكَ مِنْ أَمَامِي، فَلاَ تَتِيهُ. وَإِنْ حَلَفْتَ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْبِرِّ، فَتَتَبَرَّكُ الشُّعُوبُ بِهِ، وَبِهِ يَفْتَخِرُونَ"، سفر إرميا (4: 1 – 2). إذا الخلاص مشروط بالتوبة.

    أما عن بعض النبؤات الخاصة بمصر، فنقرأ في سفر إشعياء (19: 1 – 7):" وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً، وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ، وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ، وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ، وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ، وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُون..."، ونقرأ أيضًا:" فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَ، فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ، فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ، وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ". إشعياء (19: 18 -25). 

كل تلك الأحداث بها ما حدث بالفعل، وما يحدث حاليًا، وما سيحدث. إذا سأترك لك المجال للبحث والتفكير، تذكر أنا فقط أعرض عليك المعلومات، وأنتَ مَنْ يُقرر فالرأي الأخير لكَ عزيزي القارئ. 

     تناول الإصحاح 59 من سفر إشعياء فكرة الآثام والشرور التى تملئ الأرض؛ فنقرأ:" لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ، لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ، وَوَلَدُوا إِثْمًا..." (3 – 4)، "أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ، طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا.." (7 – 8)، وخُتم الاصحاح بقدوم المسيح المنتظر؛ فنقرأ:" وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَد"(20 – 21).

سفر دانيال 

   ويأتي سفر دانيال وهو يُعتبر من الأسفار الأبوكاليبس أى الأسفار الأخروية؛ حيث رأى النبي دانيال رؤيا النهاية واضحة، فنقرأ:" وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ، وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ، وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ، وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ، أَمَّا أَنْتَ يَا دَانِيآلُ فَأَخْفِ الْكَلاَمَ وَاخْتِمِ السِّفْرَ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ. كَثِيرُونَ يَتَصَفَّحُونَهُ وَالْمَعْرِفَةُ تَزْدَادُ، فَنَظَرْتُ أَنَا دَانِيآلَ وَإِذَا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ قَدْ وَقَفَا وَاحِدٌ مِنْ هُنَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، وَآخَرُ مِنْ هُنَاكَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ اللاَّبِسِ الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ: «إِلَى مَتَى انْتِهَاءُ الْعَجَائِبِ»فَسَمِعْتُ الرَّجُلَ اللاَّبِسَ الْكَتَّانِ الَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ النَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ السَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِالْحَيِّ إِلَى الأَبَدِ: « إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ. فَإِذَا تَمَّ تَفْرِيقُ أَيْدِي الشَّعْبِ الْمُقَدَّسِ تَتِمُّ كُلُّ هذِهِ، وَأَنَا سَمِعْتُ وَمَا فَهِمْتُ. فَقُلْتُ: «يَا سَيِّدِي، مَا هِيَ آخِرُ هذِهِ؟»فَقَالَ: «اذْهَبْ يَا دَانِيآلُ لأَنَّ الْكَلِمَاتِ مَخْفِيَّةٌ وَمَخْتُومَةٌ إِلَى وَقْتِ النِّهَايَةِ، كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيُبَيَّضُونَ وَيُمَحَّصُونَ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَفْعَلُونَ شَرًّا. وَلاَ يَفْهَمُ أَحَدُ الأَشْرَارِ، لكِنِ الْفَاهِمُونَ يَفْهَمُونَ، وَمِنْ وَقْتِ إِزَالَةِ الْمُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَإِقَامَةِ رِجْسِ الْمُخَرَّبِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا، طُوبَى لِمَنْ يَنْتَظِرُ وَيَبْلُغُ إِلَى الأَلْفِ وَالثَّلاَثِ مِئَةٍ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلاَثِينَ يَوْمًا، أَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ إِلَى النِّهَايَةِ فتَسْتَرِيحَ، وتَقُومَ لِقُرعَتِكَ فِي نِهَايَةِ الأَيَّامِ" دانيال الاصحاح 12.  

    ترد في هذه الرؤية عبارة غامضة هى (أما الفترة ما بين إزالة المحرقة وإقامة رجس المخرب، فهى ألف ومئتان وتسعون يومًا فطوبى لمن ينتظر حتى يبلغ إلى 1335 يومًا، فسر الربي راشي أن اليهود ينتظرون تلك النهاية وآخرة الأيام في سنة 2919، دون الخوض في موضوع حساب الجمل العبرية؛ لأنه طويل ومُعقد ويجب أن نفرد له مقال خاص.

مسيح آخر الزمان (في اليهودية)

     يطلق العهد القديم اسم "مسيح الرب" أو صيغة مختصرة "مشيح – משיח" على الملك؛ لأن العادة كانت تقتضي مسح رأس الملك بالزيت عند تولية السلطة، وورد ذكر التمسيح أيضًا عند الحديث عن الكاهن المُمسَّح"، أي الذي تم مسحه بالزيت، وأصبح اسم "مسيح" ي حقبة لاحقة بعد عصر العهد القديم، يستخدم للدلالة على ملك سيحكم في أخر الزمان، ويأتي بالخلاص لشعب "إسرائيل" كمايدل المصطلح "أيام المسيح" أو "عصر المسيح"، وكذلك التركيب الإضافي "مسيح بن داود" على المخلص المنتظر الذي سيخرج من نسل بيت داود -عليه السلام-.

    أما بالنسبة لأوصافه، فهو يتميز بأوصاف خارقة نادرة، بالإضافة إلى صفات قضائية متميزة، تحل عليه روح الرب، تؤدي إلى إحلال السلام والعدل والألفة بين المخلوقات؛ وتصنف من ضمن نبؤات السلام العالمي؛ فنقرأ:"وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبّ، وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ، وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْه، فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُه، وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا، وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ، لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْر، وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا"، إشعياء الأول (11: 1- 10)، معنى الفقرات السابقة بإن عند قدوم المسيح سوف يحل السلام الأرض كلها، بعد خراب ودمار ساد الأرض، وإنه من نسل داود عليه السلام. 

    نقرأ في سفر زكريا (9: 9 -16)؛" اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ، وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ، وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ. الْيَوْمَ أَيْضًا أُصَرِّحُ أَنِّي أَرُدُّ عَلَيْكِ ضِعْفَيْنِ، لأَنِّي أَوْتَرْتُ يَهُوذَا لِنَفْسِي، وَمَلأْتُ الْقَوْسَ أَفْرَايِمَ، وَأَنْهَضْتُ أَبْنَاءَكِ يَا صِهْيَوْنُ عَلَى بَنِيكِ يَا يَاوَانُ، وَجَعَلْتُكِ كَسَيْفِ جَبَّارٍ، وَيُرَى الرَّبُّ فَوْقَهُمْ، وَسَهْمُهُ يَخْرُجُ كَالْبَرْقِ، وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يَنْفُخُ فِي الْبُوقِ وَيَسِيرُ فِي زَوَابعِ الْجَنُوب، رَبُّ الْجُنُودِ يُحَامِي عَنْهُمْ فَيَأْكُلُونَ وَيَدُوسُونَ حِجَارَةَ الْمِقْلاَعِ، وَيَشْرَبُونَ وَيَضُجُّونَ كَمَا مِنَ الْخَمْرِ، وَيَمْتَلِئُونَ كَالْمَنْضَحِ وَكَزَوَايَا الْمَذْبَحِ، وَيُخَلِّصُهُمُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. كَقَطِيعٍ شَعْبَهُ، بَلْ كَحِجَارَةِ التَّاجِ مَرْفُوعَةً عَلَى أَرْضِهِ".
الفقرات السابقة تتحدث عن مجئ ملك صهيون -المتمثل في المسيح- وأن الرب سيتجلى به، ويخلصهم الرب من الأسر والشتات. نُلاحظ انمعظم النبؤات هى نبؤات كما ذكرنا خاصة ببني إسرائيل فقط أو اليهود، وكتبت في وقت الشتات البابلي والآشوري والفارسي، فيُكثر بها فكر العودة من الشتات إلى أرض اليعاد ألا وهى فلسطين، لذلك فبعض تلك النبؤات تحققت بالفعل وهى عودتهم إلى فلسطين سواء أكانت من وجهة نظر البعض عودة إلهية أو بقوة العنف والاغتصاب، ولكن هذا لا يعنى أن نهاية العالم قريبة؛ فلا أحد مهما بلغ من علم ومعرفة يمكنه ان يتنبأ بمثل هذه الأشياء، فهى غيب، ولكن لابد لنا من أن نعرف.

بعد ذلك انتقلت فكرة المسيح الذي يأتي من نسل داود أخر الأيام إلى الديانة المسيحية من اليهودية؛ حيث جُسدت في شخص عيسى -عليه السلام- أو المسيح أو يسوع كما يقول المَسيحين، وهذا ما سنعرفه في التقرير القادم. فلكل بداية نهاية.

المصادر:
العهد القديم.
موسوعة الفكر اليهودي العقدي، دكتور سامي الإمام.
ظاهرة النبوة الإسرائيلية، دكتور محمد خليفة حسن.
نشأة وتطور مفهوم التوبة في العهد القديم، منة الله مصطفى.  

تعليقات

المشاركات الشائعة